حَيثُ أَلقَت رَحلَها أُمُّ قَشعَمِ

اقرأ في هذا المقال


تُعدّ الأمثال بشكل عام انعكاسًا حقيقيًّا للحوادث التي عايشها السابقون، حيث إنهم تمكنوا ببراعة وإتقان وإجادة للغة العربية، أن يقوموا بتحويل هذا الواقع إلى حكم وأمثال بعبارات موجزة، وأفكار عميقة مكثفة، تتناقلها الأجيال، جيلاً تلو الآخر، كما أن وراء أغلب الأمثال حكاية، جعلتها تترسخ في عقول الكثير من الناس، وتاليًّا في السطور القادمة، نقدم لكم واحدًا من أشهر تلك الأمثال العربية ، ألا وهو: مثل “حَيثُ أَلقَت رَحلَها أُمُّ قَشعَمِ”.

مثل حيث ألقت رحلها أم قشعم فيم يضرب؟

فَشَدَّ وَلَم تَفزَع بُيوتٌ كَثيرَةٌ لَدى حَيثُ أَلقَت رَحلَها أُمُّ قَشعَمِ

أم قشعم: كنية للمنية، ومعنى أن تلقي رحلها في مكان تحقق الموت فيه، والمعنى: فشد الحصين على العبسي غدرًا من غير أن تعلم بذلك بيوت كثيرة من عبس، فكانت تفزع لصاحبها وتدفع عنه؛ وإنما شد عليه عند موضع نزل فيه الموت المحقق الذي لا يدفع، ويُضرب هذا المثل للشيء الذاهب، ولا تُرجى عودته، أو هي دعاء على ما يسوء المرء ليذهب عنه إلى غير رجعة.


هذه المقولة التي راحت مثلًا، هي الشطر الثاني من بيت شعر للشاعر الجاهلي زهير بن أبي سُلمى، وفيما يلي بعض أبيات قصيدته، والتي أورد فيها قصة المثل:
“لَعَمــري لَنِعـــم الحــيُّ جـــــرَّ عليهِمُ بما لا يُوَاتِيهِمْ حُصَيْنُ بنُ ضَــمْضَمِ
وكان طـــوى كَشـحاً على مُسْتَكِنَّةٍ فــلا هـــو أَبـــــداهــــا ولـــم يَــتَـجَــمْـجَـمِ
وقــال ســــأَقضي حـاجـتي ثم أَتَـقِّــي عــدُوِّي بــأَلـــــفٍ مـن ورائــيَ مُــلـجَــمِ
فَــشَـــدَّ ولــم يــــُفْــزِعْ بـيــــوتــاً كــثــيــرَةً لَدَى حيثُ أَلـقَتْ رحْـلَهـا أُمُّ قَشْعَمِ”.

قصة مثل حيث ألقت رحلها أم قشعم

“لدى حيث ألقت رحلها”: حيث كان شدة الأمرِ، يعني: موضعَ الحرب. وأُم قشعم هي الحرب، ويُقال: هي الموت، والقصة أن حصينًا قد شدّ على العبسي فقام بقتله بعد أن حدث الصلح، وحيث حطت الحرب رحالها، ووضعت أَوزارها وسكنت، وقيل:هو دعاءٌ على حُصين، أي: إنه اعتدى على الرجل بعد الصلح وخالفَ الجماعةَ، فصيّره الله إلى هذه الشدة، وبهذا يكون معنى “ألقت رحلَها” على هذا: ثبتت وتمكنت.

لا بدّ من الإشارة إلى أن هناك من يكتفي بـالقول: “إلى حيث ألقت رحلها”، ومنهم من يكتفي: “إلى حيث ألقت”، وكذلك “إلى حيث”، بل هناك ابن الورديّ يكتفي بـ “إلى”، فيقول:

“لا تَحْمِلَنْ إِهَانَةً مِنْ صَاحِبٍ وَإِنْ عَلا فَمَنْ أَتَى فَمَرْحَبًا وَمَنْ تَوَلَّى فإِلَى”.

لقد ورد في كتاب “الحيوان” للجاحظ تأويل آخر للمثل، إذ شرح بعض العلماء البيوت في شعر زهير “فشد فلم تفزع بيوت كثيرة” وفسروها على أنها بيوت النمل، والثاني أن هناك من أورد قصة المثل بصورة أخرى: وذلك أن أم قشعم ناقة سرحت، فألقت رحلها في نار فسارت مثلًا.


شارك المقالة: