قصة رسالة من رقم مجهول

اقرأ في هذا المقال


في هذه الحياة يواجه الإنسان الكثير من الأحداث والمواقف، ولكن في أي موقف أو أي حادثة غريبة تحدث مع أي فرد ينبغي عليه أن يستشير أصحاب الاختصاص بتلك الواقعة أو من هم أهلاً لها؛ وذلك حتى يتفادى الكثير من المصاعب والمشاكل.

قصة رسالة من رقم مجهول

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول إحدى الفتيات التي تدعى سينغ، حيث أن تلك الفتاة قامت بسرد أحداث قصة حدثت معها، وأول ما بدأت به الحديث هو قولها: في يوم من الأيام لم تكن الساعة قد تخطت الحادية عشر مساءً حينما كنت أتوجه نحو سريري حتى أخلد إلى النوم، وما هي إلا دقائق معدودة حتى دق جرس هاتفي معلن وصول رسالة نصية، وعندما هممت بفتح الرسالة لم أجد أنها وصلت من رقم هاتف معروف، وعلاوة على ذلك كانت لم تحتوي على أي كلمة بل مجرد ثلاث فئات من الرقم أربعة.

في البداية لم أعطي أي اهتمام بالأمر اعتقدت أن تلك الرسالة وصلت إلى هاتفي عن طريق الخطأ، فتجاهلتها وغططت في النوم، ولكن ما كان من الغريب هو أن في اليوم التالي وبذات التوقيت تكررت تلك الرسالة مرة أخرى، وفي الرسالة التالية كان كل شيء متطابق مع الرسالة الأولى من حيث الرقم المجهول، ولكن نص الرسالة في هذه المرة كان مختلف، إذ تحتوي على فئة واحدة من العدد تسعة.

ومنذ ذلك اليوم بدأت تتوالى على هاتفي الرسائل في ذات التوقيت ومن رقم غير معروف كذلك، وفي كل مرة كان محتوى الرسالة مختلف عن ما سبقه، إلى أن حصلت على سلسلة من الأرقام، فأصبح لدي ثلاث خانات من العدد أربعة، وخانة من العدد تسعة، وثلاث خانات من العدد أربعة مرة أخرى وثلاث خانات من العدد خمسة وثلاث خانات من العدد خمسة وخانتان من العدد خمسة وثلاث خانات من العدد أربعة وثلاث خانات من العدد خمسة وثلاث خانات من العدد خمسة وثلاث خانات من العدد تسعة وثلاث خانات من العدد ستة، لم أفهم ماهية تلك الأرقام أو ما تدل عليه، ولكن ما بدأت أفهمه هو أن ذلك الأمر أصبح يزعجني للغاية، إذ بدا لي أن أحدهم يقصد بها شيئًا لا أفهمه.

ويوماً بعد يوم بدأ الأمر يشغل حيز كبير من تفكيري، كما بدأت أشعر بالقلق، وفي إحدى المرات بينما كنت جالس على مكتبي في مكان عملي استغرقت في تفكير عميق في هذا الموضوع، وبدأت أتساءل في نفسي هل من الممكن أن تكون تلك الأرقام تعود لهاتف معين أو عنوان لشارع، أو يا هل ترى من الممكن أن تعود إلى رقم سيارة، وبعد أن قضيت وقت طويل في التفكير ولم أتوصل إلى أي شيء، حتى وصل بي الأمر إلى أن أسأل زملائي بالعمل إن كان وصل لأحدهم رسالة مشابهة، ولكن نفوا جميعًا.

وفي ذلك الوقت كانت أفكاري مشتتة إلى حد كبير وقد أوصل بي الأمر في أحد الأيام أنني نسيت هاتفي في مكان عملي، وحينما عدت من أجل البحث عنه في المكتب وجدت أن أحد الأشخاص والذي يدعى السيد تاناكا قد عثر عليه، وقد كان السيد تاناكا هو رجل كبير في السن يقضي معظم وقته في حل الكلمات المتقاطعة والألغاز بالجرائد المحلية، وهنا سألت نفسي لماذا لم أفكر في سؤاله حول ذلك الأمر، وهنا انتهزت الفرصة وتحدثت معه حول تلك الأرقام التي تردني بشكل يومي على هاتفي.

وبالفعل أخبرته بكل ما حدث معي منذ أن استلمت أول رسالة، وبعد أن انتهيت من حديثي ضحك السيد المسن وقال لي: لعلها رسالة مشفرة، وأكمل حديثه بقوله: يا إلهي كم أعشق هذا النوع من الغموض والألغاز، هل بإمكاني الاطلاع على تلك الرسائل، وهنا ما كان أمامي سوى أنني قمت بكتابة كافة الأرقام على ورقة وقدمتها له.

وأول ما نظر إليها قال لي: يبدو أنها رسالة غامضة للغاية، هل بإمكانك أن تمهليني بعض الوقت من أجل التفكير في حلها، ومنذ ذلك الوقت وقد غرق الرجل المسن في تفكير عميق، وما هو معروف عنه أنه رجل يتميز بحدة من الذكاء وهو ما يعمل في الشركة التي أعمل بها منذ ما يقارب على العشرين عامًا، وجميع الموظفون يشيدون بذكائه وحدة بصيرته.

ومع مرور الوقت حانت ساعة موعد انصراف الموظفين من الشركة، وحينما هممت بالخروج من غرفة مكتبي كان السيد تاناكا واقف على الباب وتبدو على ملامح وجهه نظرة جادة، غير تلك النظرة التي كان بها حينما كتبت له الرموز على الورقة، وأخذ بالحديث معي بنوع من الحذر والقلق حول تلك الرموز.

وهنا سألته وأنا تملاني اللهفة لمعرفة ما ترمز له تلك الأرقام: هل فككتها، فأجابني: نعم، ولكني أعتقد أنه من الأفضل لك أن تقومي بتغيير تغير رقم هاتفك بأسرع وقت ممكن، وقد قالها لي بطريقة غريبة لم أقوى على نسيان نبرة صوته في تلك اللحظة فقد كانت تحمل الخوف والخطر بين طياتها، وهنا سألته: لماذا تطلب مني أن أغير رقم هاتفي؟، فأجاب الرجل المسن: لدي تخمين، ولكنني أتمنى أن لا يكون صحيحًا، فإن صح ما أفكر فيه سوف تصلك إليكِ اليوم رسالة محتواها يتضمن خانتين من العدد ثمانية، وإن حدث ذلك أعتقد أن الأمور سوف تصبح أسوأ بالنسبة إليكِ، وإن حدث ما أتحدث به أرجوكِ أخبريني بذلك وغيري رقم الهاتف في أسرع وقت ممكن.

وفي ذلك اليوم حينما عدت إلى منزلي وفي ذات التوقيت وصلت إليّ تلك الرسالة وتحتوي على ما توقعه الرجل المسن، وفي صباح اليوم التالي قبل أن أتوجه نحو مكان عملي توقفت في أحد المتاجر التي تُعنى في بيع شرائح الهواتف وقمت بشراء شريحة جديدة، على الرغم من أن الأمر قد أزعجني بسبب اعتادي على رقمي القديم، ولكن كلام الرجل المسن أقلقني للغاية وجعلني لا أتردد في تغيير شريحة الهاتف.

ثم بعد ذلك أول ما وصلت إلى مكتبي قدمت رقم شريحتي الجديدة لكافة زملائي في العمل، وأول ما دخلت إلى غرفة مكتبي كان الرجل المسن هناك بالداخل ينتظرني في ترقب وصمت، وعلى الفور أخبرته بتلك الرسالة التي وصلتني يوم أمس وصِدق ما توقع، وهنا تغيرت ملامح وجهه وسألني: هل غيرتي رقم الشريحة، فقلت له: نعم فعلت كما أشرت إلي، ولكن أخبرني لما كل هذا القلق، وماذا تشير إليه تلك الأرقام؟

وفي النهاية أخذ الرجل المسن في شرح بكل هدوء معنى تلك الرسائل النصية المشفرة، وحين فهمت ما تعني سرت بجسدي رعشة خفية، وأخذت أتساءل من الذي يقوم بإرسال تلك الرموز، ولماذا يرسلها لي أنا على وجه التحديد، وما الذي فعلته لكي أستحق كل ذلك الخوف والقلق؟ فالأرقام التي كانت موجودة في تلك الرسائل النصية الغامضة كانت تشير إلى أحرف معينة، فالهواتف القديمة التي تحتوي على لوحة مفاتيح عند ضغط على زر معين تعطيك رقم، بينما حتى تحصل على حرف يجب أن تضغط بشكول أطول، وعند الضغط على نفس الزر مرتين متتاليتين تعطيك حرف آخر، فعلى سبيل المثال فمثلا إذا كنت تريد كتابة حرف (a)  عليك أن تضغط على رقم (2) مرة واحدة مطولة.

كانت تلك الطريقة التي فسر بها الرجل المسن تلك الرموز، وبتلك الطريقة كانت تلك الأرقام لا تعني سوى كلمة واحدة، ألا وهي: سأقتلك، والجيد في الأمر أنني بعد أن غيرت رقم هاتفي النقال لم أتلقى أي رسائل نصية أخرى من هذا النوع، ولكني ما زلت حتى الآن أتساءل: ماذا كان سوف يحدث لي إن لم أغير شريحة هاتفي، هل كان سوف يفي المرسل المجهول بتهديده؟.

المصدر: كتاب روائع في الأدب الأمريكي المعاصر - توني موريسون - 2014


شارك المقالة: