قصة فنجان شاي مع مسز روبنسون

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر الكاتبة والمؤلفة آيدن حاجييفا وهو من مواليد دولة أوزبكستان من أبرز الأديبات اللواتي ظهرن في مجال كتابة الروايات والقصص القصيرة والشعر، كما وتم ترجمة الغالبية العظمى من أعمالها الأدبية إلى اللغة الأوزبكية، ومن أبرز القصص التي اشتهرت بها هي قصة فنجان شاي مع مسز روبنسون.

قصة فنجان شاي مع مسز روبنسون

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول إحدى النساء اللواتي لجأن إلى بلد آخر جراء العنف الذي كان يحصل في بلادها، والقصة يتم سردها على لسان الزوجة إذ تقول: لقد رسمت كامل السيناريو في فكري إذ استرجعت أحد المَشاهد التي ترسخت في ذهني عدة مرات في أثناء عودتها للمنزل على أثر حادثة حصلت معها في الشارع، فقد كانت توجه كامل حديثها إلى زوجها ذلك الرجل الخالي المسؤولية تماماً، وقالت: كيف لك أن تفتح لي الباب وأرتمي في حضنك، إذ انفلتت الحرقة من طاقتي ولم أعد أقوى على التحكم بها، ثم سوف أحكي لك عن الحادثة، أو ربما أقوم بتبديل السيناريو، ينبغي أن أتمالك نفسي وأسرد تفاصيل الحادثة أولا، ثم أبكي ذلك البكاء المؤجل في حلقي منذ أكثر من ساعة.

وبعد أن أهدأ سوف أروي لك: إنني ما كنت قادرة على ترك ناحية وجهي المصابة مكشوفة للعامة مثل العورة، صحيح أنني كنت ضحية للعنف في الشارع، لكنك تعرفني تمام المعرفة، وتعرف كم أكره التصرف بسيكولوجية الضحية، وهنا تبدأ بذكر كل المواقف التي مرت بها وموقف زوجها في كل موقف منذ البداية التي عاشتها في موطنها الأصلي فتقول: هل تتذكر يا عزيزي حينما لجأنا إلى هذا البلد من أجل الهرب من القمع والأسلوب الإرهابي الذي كانت تتبعه السلطة والأصوليين، وهل تتذكر اليوم الذي قدمنا فيه طلب اللجوء هنا.

حيث أنه في يومها تكلمت بكل قوة مع الموظف البريطاني الذي كان مكلف بملفنا، وقلت له: أنا وزوجي وابنتي لن نبقى هنا على الاطلاق، وقد كان ذلك بعد زوال الأسباب التي تهدد حياتنا بالخطر، نحن لم نكن نحلم ببلدكم كجنة بل مجرد ملجأ يمنحنا حياة آمنة فقط وليس أكثر من ذلك، وهنا ذكرت موقف زوجها في تلك اللحظة وقالت: وحين قلت ذلك للموظف كان يبدو عليك عدم الارتياح من ردودي إذ عندما خرجنا سرعان ما انتقدتني، ولكنني في ذلك الوقت تحدثت مع الموظف بهذا الشكل، حيث أنه كان يشعرنا أن وجودنا في بلاده منةٌ وفضلٌ منه، لا مجرد طلباً للأمان.

وقد شعرت بذلك من كلامك حين خرجنا من عند الموظف حيث قلت لي: كان ينبغي عليكِ أن تكون نبرة صوتك أقل حدة وأنت تتكلمين معه، وقد قلت تلك العبارة من دون أن تنظر في وجهي، وكنا حينها نسير باتجاه محطة القطار القريبة من وزارة الداخلية، كنت منزعجة في ذلك الوقت من تحاملك عليّ ورددت بنبرتي التي لم تكن تعجبك وقلت حينها: لكن موظف كان يستجوبنا بطريقة وكأننا مجرمين متسللين إلى حدود بلاده، فالكراهية التي نواجها في مجتمع غريب هو الشيء ذاته الذي جعلنا نهرب منه في بلادنا، فقد عاملتنا بلادنا بقسوة شديدة في السنوات الأخيرة، وقد كان ذلك الحدث يجعلنا نعيد التفكير بفكرة المنفى والحصول على الأمان، في حال تكرر معنا.

وعند وصول الزوجة إلى منزلها لم يكن في الحقيقة زوجها هو الذي فتح لها الباب، لقد فتحته بمفردها؛ لأنه لم يسمع رنين الجرس من الأصل، حيث كان منشغل مع أصدقائه تتناقشون في القضية الوطنية بصوت عالي، وحينما لمحها من الصالة لحق بها، وفي ذلك الوقت قالت المرأة: وقتها لم تلقي أي اهتمام لخدي الأيمن، الذي كانت كفي تغطيه وقلت: لم أتمكن من إحضار ابتنا وانشغلت مع ضيوفي هل تذهبين وتحضريها، وهنا قد رش بكلامه الملح على الألم، وذلك لأنه لم تنتبه لحالتي التي كنت بها آنذاك، ثم قال: ما به ضرسك؟ فرددت قائلة: لقد تعرضت للعنف في الشارع.

وفي ذلك الوقت سألتني عن صفات المرأة المعتدية وإن كنت قد لاحظت ما هو دافعها، وهنا كنت قد حولتني إلى محقق شرطة، لكن ما كنت أحتاجه في تلك اللحظة هو صدر حبيب ليشعرني بالأمان، وحينما رويت لك قصة الحادثة بأن أثناء سيري في شارع مزدحم بالناس دنت مني امرأة ضخمة، كنت قد لاحظت توجهها نحوي استبعدت أي نية سيئة منها، لكن ما فاجأتني به هو أنها دفعتني من جهة كتفها الممتلئة، إذ رمت بي نحو الجدار الخاص بأحد المحلات، وكانت قد فعلت ذلك وهي تصرخ بأعلى صوتها اذهبي إلى الجحيم، ولولا أنني قمت بحماية وجهي بكفي لكان تعرض رأسي لما هو أخطر من ذلك، فمن المؤكد أن غايات المرأة الضخمة كانت عنصرية.

بينما أنت في تلك اللحظة قمت بتحويل التفاصيل إلى مجرد إجابات على أسئلة، مثل كيف ومتى ولماذا تعتقدين أنه موقف عنصري، إذ أشعرتني بأنني في جلسة حوار فكرية أيها السياسي اللاجئ، ولم تدرك أنك كنت في غرفة النوم مع امرأتك التي لم تصح بعد من هول الصدمة، وهنا قلت لي: ربما كانت المرأة المعتدية لم تقصد ذلك، وبهذا القول كانت توقفت عندي شهقة الألم، وهنا أكملت الزوجة القصة لزوجها وقالت: وبعد أن تجمع المارة حولي من أجل مساعدتي، لكن المرأة أكملت السير وهي تشعر أنها منتصرة.

بل في الحقيقة كان ذلك التصرف ناتج عن ردة فعل سريعة على الأحداث العنيفة التي كانت قد حدثت في مدينة مانشستر قبل عدة أسابيع بين شباب آسيويين وآخرين من البيض، ومن المؤكد أن بشرتي السمراء هو ما استفز تلك المرأة، إذ أنه في تلك المدينة يصنفون الأفراد حسب لون بشرتهم، لكن الزوج قال: ربما كانت المرأة عصبية وكنت أنت ضحيتها، لم تكن اللحظة مفتوحة لمزيد من الاحتمالات فأنا أتألم وألجأ إليك وبحاجة إلى تعاطفك معي لكنك كنت منشغل بدخانك.

وفي تلك اللحظة بدأت باستحضار مشاهد من مسيرة حياتها إلى أن وصلت إلى مرحلة الملاحقة، إذ بعد قرارهم بمغادرة البلاد بعد تهديدات الاغتيال التي وصلتهم، وصولاً إلى هذه اللحظة، ثم متابعتها لدراستها في مجال الهندسة الالكترونية، وابنتها التي كانت تضعها عند جليسة أطفال حين يكون أبوها خارج المنزل.

ومن ضمن الأحداث قالت المرأة: كنت ذات مرة أعمل في أوقات فراغي في المقاهي وتوزيع المنشورات الخاصة بمطاعم البيتزا وبعض من السوبر ماركت، ومقابل ذلك أتقاضى أجر زهيد؛ وذلك حتى أقوم بدعم مصاريفنا، وفي كثير من الأحيان كانت تلف معي ابنتي نادية وكانت لا زالت في الرابعة من عمرها، فتسبقني لتضع أوراق الإعلانات في فتحات الأبواب، ونبقى على هذا الحال حتى يتحول تعبنا إلى لعب ونضحك حتى أتخلص من تأنيب الضمير بداخلي؛ لأني أدخل طفلتي معي في تحصيل لقمة العيش، ولأنني في نفس الوقت لا أريد أن يشفق علي أحد.

وفي تلك اللحظة كنت أمسك الدمع في نفسي وأقول لنفسي: لماذا لا أتذكر اللحظات السعيدة في حياتي؟ مثل لحظة نجاحي في الجامعة، والذي في وقتها جلب لي عرضين للعمل بشروط ممتازة، أو للحظة التي كنت أبدي فيها حماسًا للتقدم إلى رسالة الماجستير عن تكنولوجيا الاتصالات، إذ كانت رسالة الماجستير تلك جلبت لي فرصة عمل بامتيازات لا تقاوم.

فعند حصولي على رسالة الماجستير قلت لي أنت فقط: مبروك، وكأنك قلتها على مضض، هل استكثرت عليّ التفوق في البلد الغريب، إذ يبدو أنك غضبت من رفيقة درب لم تواسك في وحدتك، هل هذا هو سر وجومك، لكننك هنا ارتحت لصفعة أعادت التوازن إلى صورتي في ذهنك، وكما يجب أن تبقى، إذ كنت تراني أنني مجرد زوجة سياسي منفي غريبة في بلد غريب، وليست لاجئة تتمتع بحق النجاح والثناء بمفردها.

وحين أرادت إحضار ابنتها فتحت الباب ونزلت، لحق بها وصاح من أعلى السلم وقال: إلى أين سوف تذهبين، وعرض عليها أن يذهب هو لإحضار الطفلة من عند السيدة، لكنها لم ترد عليه حينها، فقد خرجت من المبنى وتوجهت إلى مسز روبنسون وهي السيدة التي تترك عندها ابنتها، وعند وصولها إلى السيدة مسز روبنسون وأول ما فتحت لها الباب سرعان ما سألتها عن حالها ومن فعل بها ذلك، وأخذت تضمد جراحها وتضم يديها بقوة وتعانقها بحنان وهنا أحضرت لها كأساً من الشاي.

المصدر: A Cup of Tea with Mrs Robinson


شارك المقالة: