أثر الوزراء في النهوض بالحركة العلمية والأدبية في العهد البويهي

اقرأ في هذا المقال


أثر الوزراء في النهوض بالحركة العلمية والأدبية:

حظيت الحركة العلمية والأدبية في العهدين البويهي والسلجوقي بقدر كبير من اهتمام المؤرخين، فتضمنت كتب التاريخ والآدب والتراجم معلومات مفصلة، بحيث أصبح لدينا صورة واضحة كل الوضوح عن عناية الوزراء بالعلم والأدب عن طريق تشجيع العلماء والأدباء وإغداق الأموال عليهم لدفعهم إلى الإنتاج، حتى أصبحت مجالس بعض وزراء هذين العهدين مقصداً للعلماء والأدباء والشعراء.

هذا فضلاً عن أن كثيراً من تقلدوا الوزارة في تلك الأثناء كانوا من العلماء والأدباء الذين أسهموا في ازدهار الحركة العلمية والأدبية وكانت مجالسهم تضم كبار العلماء والأدباء، فيُحيطونهم بالرعاية ما يشجعهم على تأليف الكتب، ونظم الأشعار في مدحهم والاشادة بفضلهم.

كان عصر نفوذ الأتراك الذي سبق العهد البويهي يسوده الاضطراب، كما بلغت فيه الدولة حداً كبيراً من الضعف والتفكك بسبب تسلط الأتراك وانشغال الناس بالمنازعات الطائفية والمذهبية مما ساعد على عدم تقدم الحركة العلمية والأدبية، فلما دخل البويهيون بغداد، وقبضوا في أول عهدهم على أزمة الأمور اندفع بعض أمراء البويهيين ووزرائهم في تشجيع الأدب العربي مع أنهم من أصل فارسي،‏ فنبغ في عهدهم كثير من العلماء والأدباء والفلاسفة.

أهم الحركات العلمية والأدبية في العهد البويهي:

كانت الريّ وأصفهان من مراكز الثقافة والعلم في شرق الدولة الإسلامية، وبخاصة في عهد البويهيين، وقد تقدمت الحركة العلمية في الريّ بعد أن استقر فيها الوزير البويهي أبو الفضل بن العميد الذي تشبه بالبرامكة ففتح بابه للعلماء والأدباء والشعراء، حتى أنه كان يقضي جزءاً كبيراً من يومه مشغولاً بهم. وكان هذا الوزير أديباً عالماً يضرب به المثل في البلاغة حتى قيل أن الكتابة بدئت بعبد الحميد وختمت بابن العميد. وسمي بـ (الجاحظ الثاني) لمكانته الأدبية الرفيعة.

وكان متبحّراً في علوم الهندسة والمنطق والفلسفة، ومن مؤلفاته: (كتاب المذهب في البلاغات، وكتاب يضم ديوان رسائله). هذا فضلاً عن أنه كان يُجيد نظم الشعر. وبلغ من إهتمام أبي الفضل بن العميد بالكتب أنه أنشأ مكتبة عظيمة وعين أحد العلماء خازناً لها وهو مسكوية.

أما الوزير الصاحب اسماعيل بن عباد . فيعد من أشهر رجال الأدب في عصره، ويصفه ابن النديم بأنه كان وحيد زمانه وألماسة عصره في البلاغ والفصاح والشعر، وقد تعمق في دراسة العلوم الشرعية واللسانية والأدبية.

وكان كثير الإحسان على رجال العلم والأدب، ودؤوباً على عقد مجالس علمية وأدبية هم ويذكر ابن خلكان انه أجتمع عنده من الشعراء ما لم يجتمع عند غيره. وكان الوزير الصاحب بن عباد يبعث بالأموال في كل عام لتوزيعها على الفقهاء والأدباء، والعلماء مما ساعد على انتعاش الحركة العلمية والأدبية.

أسهم الصاحب بن عباد في التقدم العلمي في العهد البويهي بتأليف عدد كبيرمن الكتب منها: كتاب المحيط باللغة في عشرة مجلدات وكتاب الكافي، كتاب الزيدية، كتاب الأعياد، كتاب الوزراء، كتاب عيون المعارف في التاريخ، كتاب جوهرة الجمهرة، كتاب تاريخ الملك، واختلاف الدول وغيرها. وبلغ من أهتهام هذا الوزير بالعلم والأدب أنه جمع من الكتب ما يحمل على أربعائة جمل، وكانت فهارس المكتبة التي أنشأها بمدينة الريّ في عشرة مجلدات.

ظهرت في هذا القسم من فارس (الريّ – أصفهان)، حركة علمية وأدبية بفضل هذين الوزيرين (ابن العميد والصاحب بن عباد) إذ كان كل منهما إلى جانب توليه أكبر المناصب، مثقفاً ثقافة واسعة، فاستخدما ذلك في اعلاء شأن الأدب والعلم.

أما في العراق، فكان للوزراء أبي محمد المهلبي وأبي منصور بن صالحان وابن سعدان وسابور بن أردشير أثر كبير في النهوض بالحركة العلمية والأدبية، فكانت مجالسهم تزخر بالعلماء والأدباء، وكان الوزير أبو محمد المهلبي أديباً بارزاً وشاعراً بليغاً، وله ثلاث مؤلفات تتضمن رسائله وتوقيعاته وديوان شعره، وكتاب عن البلاد والمالك والطرق والمسالك، يسميه ياقوت (كتاب العزيزي).

وكان هذا الوزير مُحباً لرجال الأدب، ومن الأدباء الذين حظوا بقدر كبير من عطفه ورعايته أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني مؤلف كتاب الأغناني. ويصف مسكويه دور هذا الوزير في انعاش الحركة العلمية والأدبية بقوله: (وتوفر مع ذلك على أهل الأدب والعلوم، فأحيا ما كان درس ومات من ذكرهم، ونوَّه بهم، ورغب الناس بذلك في مُعاودة ما أهمل منها).

كذلك عني الوزير أبو منصور بن صالحان بإهتمام كبير بالمعرفة والثقافة وكان له أماكن خاصه يقصده أهل العلم، وقد عرف بكرمه في انفاق الأموال على العلماء. وكان الوزير الحسين بن أحمد بن سعدان واسع الاطلاع، مُلماً بكثير من العلوم والآداب، وقد ضم مجلسه عدداً كبيراً من أبرز رجال العلم والأدب في أواخر القرن الرابع الهجري، مثل مسكويه وأبو حيان التوحيدي الذي ألف له كتاباً عن الصداقة والأصدقاء.كما أن كتاب (الامتاع والمؤانسة)، ما هو إلا تسجيل للمحاورات والمناقشات الأدبية والعلمية التي كانت تجري في مجلس الوزير ابن سعدان بينه وبين أبي حيان التوحيدي.

أما الوزير سابور بن أردشير، فاشترى في سنة (383 هجري)، دارا بالكرخ وجدد عمارتها، وجعلها وقفاً على أهل العلم والمهتمين به وزودها بعدد كبير من الكتب في شتى العلوم والآداب،‏ وسماها (دار العلم)، ويذكر بعض المؤرخين أنه كان في هذه الدار أكثر من عشرة آلاف مجلد، ورتب لها موظفين للمحافظة عليها، وتقديم الخدمات لروادها من العلماء والأدباء والطلاب، كما عمل على توفير المال اللازم للانفاق عليها، وأوقف عليها الوقوف.

كان يشرف على دار العلم اشرافاً مباشراً عدد من كبار رجال العلم منهم القاضي أبو عبد الله الحسين بن هارون الضبي والشيخ أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي. وكان بهذه الدار فهرست يشمل ما تحويه من الكتب لتسهيل مهمة روادها في الاطلاع على ما في خزائنها من كتب.

ظلت دار العلم تؤدي خدماتها للعلم والأدب قرابة سبعين عاماً ثم احترقت في سنة (450 هجري)، إثر دخول السلاجقة بغداد، ولما وقع الحريق فيها نهب العامة بعض كتبها، فجاء الوزير السلجوقي عميد الملك الكندري، وأخذ خيار كتبها. ويذكر ابن كثير أن (دار العلم) كانت أول مدرسة وقفت على أهل العلم.

وبلغ من أهمية هذه المكتبة في نشر المعرفة والعلوم أن أحد العلماء ببغداد، ويدعى أبو الحسن محمد بن هلال الصابىء، أقام عوضاً عنها دار أخرى في الجانب الغربي من مدينة بغداد وزودها بألف كتاب.

وشارك الوزير أبو القاسم الحسين بن علي المغربي من سبقه من وزراء آل بويه في انعاش الحركة العلمية والأدبية، إذ كان هذا الوزير أديباً برع في اللغة والشعر والكتابة والنحو، وأتقن علوم الحساب والجبر والمقابلة، وألف عدة مصنفات في أنواع مختلفة من العلوم ، ومنها كتاب: (مختصر اصلاح المنطق، وكتاب الايناس، وكتاب أدب الخواص، وكتاب المأثور في ملح الخدور.

وكان للوزير أبي منصور بهرام بن ما فنه نصيب وافر في التقدم العلمي والأدبي في العهد البويهي، وقد أنشأ داراً للكتب بمدينة فيروز أباذ تشتمل على سبعة آلاف مجلداً، وقيل بل كان بها تسعة عشر ألف مجلد. ويروى أنه كان بهذه الدار أربعة آلاف ورقة بخط بني مقلة وجعل أبومنصور هذه المكتبة وقفاً على طلاب العلم.


شارك المقالة: