الافتراضات المتعلقة بالمتغيرات السببية أو التفسيرية في النظرية الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


الافتراضات المتعلقة بالمتغيرات السببية أو التفسيرية في النظرية الاجتماعية:

تعكس طبيعة المتغيرات التي يستخدمها الباحث في تفسيره للظاهرات التي يدرسها افتراضاته الأساسية عن طبيعة الواقع الاجتماعي مستوى التنظير، أي أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بكل المتغيرات.

وتعتمد صياغة الباحث للمتغير أو المتغيرات التفسيرية على ميدان بحثه بالطبع، سواء كان هذا الميدان أنساق الشخصية أو الأنساق الاجتماعية، أو الأنساق الثقافية، وكذلك العلاقات المفترضة بين أنماط الظاهرات الاجتماعية.

ولكن ميدان دراسته ذاته يعكس إلى حد بعيد مفهوم العالم عن الطبيعة الأساسية للواقع الاجتماعي، فالماديون سوف يفسرون التغير الاجتماعي على أساس متغيرات مثل وسائل الإنتاج بينما يفسر المثاليون ذلك على أساس متغيرات أخرى مثل القيم أو الأفكار.

ويستخدم علماء الاجتماع في العادة واحداً أو أكثر من المتغيرات الآتية كمتغيرات مستقلة تفسيرية:

1- المتغير التاريخي:

يفترض كثير من العلماء الاجتماعيين وخاصة علماء الانثروبولوجيا أن كل ثقافة لها قوانينها الخاصة، وعلى ذلك فإنه لا يمكننا فهم أنماط الأنساق الثقافية إلا إذا اعتبرناها وحدة كلية لها امتدادها الزمني، وهذا الافتراض الذي يؤكد على اعتماد الحاضر على الماضي يفرض على الباحث الأسلوب التاريخي في البحث وإلى حد ما يفرض عليه أيضاً أن يتبنى إطار نظرياً تطورياً لكي يفهم الحاضر ويتنبأ بالمستقبل.

2- المتغير الاقتصادي أو التكنولوجي:

يفترض كثير من العلماء الاجتماعيين أن العوامل الاقتصادية والتكنولوجية هي التي تحدد كافة الظاهرات الاجتماعي، ولذلك فإننا نرى كثيراً منهم يتخذون من الثورة الصناعية متغيراً أساسياً يفسرون به التغير المستمر في أبنية المجتمعات، ويعتقد بعض الكتاب أن العامل الاقتصادي متمايز من الناحية التحليلية عن العامل التكنولوجي ويؤكد بعضهم على متغير أو آخر من الأثنين.

ومن جهة أخرى يرى الماركسيون أن أساليب الإنتاج تتضمن كلاً من العوامل التكنولوجية والاقتصادية ولكنهم يعطون أهمية أكبر للعوامل الاقتصادية، ولكن يجب أن نضع في اعتبارنا أن العوامل الاقتصادية والتكنولوجية يمكن أن تعتبر ذات أساس مادي كما هو الحال في النظرية الماركسية، أو ذات أساس مثالي كما هو الحال في النظريات المثالية، فالمثاليون يميلون إلى النظر التكنولوجيا بوصفها نسقاً من الأفكار والمعرفة التي يمكن بواسطتها التعامل مع الموضوعات المادية.

3- متغير القيم الثقافية:

يميل معظم العلماء الاجتماعيين إلى افتراض أن هذا المتغير هو أهم المتغيرات التي يمكن بواسطته تفسير الفروق وبين المجتمعات، فقد اعتمد ماكس فيبر على نسق القيم والمعتقدات بوصفه نسقاً تفسيرياً في تفسيره للعلاقات بين الدين والنسق الاقتصادي في مختلف قطاعات العالم الاجتماعي.

ويفعل تالكوت بارسونز نفس الشيء في دراسته للظاهرات الاجتماعية، وبذلك يقف موقفاً مخالفاً تماماً لموقف العلماء الاجتماعيين الذين يعطون الأولوية للعوامل المادية.

4- متغير القوة الاجتماعية:

يعتقد كثير من العلماء الاجتماعيين وبخاصة علماء الاجتماع المتأثرين بموسكا وباريتو وميشلز، أن القوة الاجتماعية يمكن أن تستخدم كمتغير يفسر التغيرات البنائية التي تطرأ على الأنساق وقد استخدم ماركس القوة كمتغير تفسيري لكي يدعم وجهة نظره عن ىأهمية وسائل الإنتاج، كما استخدمه فيبر لكي يدعم به نظره عن أهمية القيم الثقافية.

5- متغيرات تفسيرية أخرى:

وهناك متغيرات أخرى كثيرة يستخدمها علماء الاجتماع وخاصة الأمبيريقيون منهم لتفسير الظاهرات الاجتماعية التي يدرسونها، مثل حجم السكان والحضرية والسن والنوع والأسرة والبيرقراطية، ويختلف علماء الاجتماع فيما بينهم فيما يتعلق باستخدامهم لهذه المتغيرات حسب درجة العمومية أو التخصيص في مستوى التنظير الذي يستخدمون هذه المتغيرات في ضوئه.

هذه هي فئات الافتراضات الأساسية التي قدمها جدعون جوبرج بوصفها من أهم المحددات النظرية لكل خطوات البحث الاجتماعي، ويجب أن نشير هنا مرة أخرى إلى الترابط بين جميع الافتراضات بعضها البعض في نسق متكامل يشكل في النهاية الإطار النظري للباحث، فإذا كان الباحث مادياً جدلياً مثلاً، فإنه سيبدأ بأن يؤمن بالأساس الواقع الاجتماعي المادي، وأن هذا الواقع في حالة تغير مستمر، وأن التحولات الكمية تؤدي إلى تحولات كيفية، وأن هذا الواقع يتضمن دائماً صراعاً بين الأضداد، وهذا الصراع هو القوة المحركة للتاريخ حيث ينجم عنه كيفية جديدة تدخل في صراع مع ضدها لينجم عن ذلك كيفية أخرى وهكذا.

كما أنه سوف يعتبر وحدة الدراسة الأساسية والمتغير التفسيري الرئيسي هو التكوين الاقتصادي الاجتماعي (إقطاعي، رأسمالي، اشتراكي مثلاً)، وسوف يركز بصفة أساسية أيضاً على دراسة كافة الظاهرات الاجتماعية من منظور تاريخي دون أن يجعل الفرد أبداً وحدة الدراسة الأساسية أو المتغير التفسيري، كما أنه سيجعل الحالات النفسية والقيمية والثقافية متغيرات تابعة وليست متغيرات مستقلة.


شارك المقالة: