التكوين الاقتصادي الاجتماعي عند ماركس في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


التكوين الاقتصادي الاجتماعي عند ماركس في علم الاجتماع:

يمثل أسلوب إنتاج الثروة المادية الأساس المادي الاقتصادي للتكوين الاقتصادي الاجتماعي، وهذا الأساس الاقتصادي يمثل في الواقع هيكل التكوين بينما يمثل البناء الفوقي الجانب السياسي، والاجتماعي والروحي فيه.

وعلى هذا فإن الأساس والبناء الفوقي يمثلان المكونات الأولية ﻷي تكوين اقتصادي اجتماعي، وبالإضافة إلى الأساس والبناء الفوقي يتضمن التكوين الاقتصادي الاجتماعي ظاهرات اجتماعية أخرى مثل أشكال المجموعات (العشيرة والقبلية والأمة) وأسلوب الحياة والأسرة والزواج واللغة والعلوم وبعض التنظيمات الاجتماعية، المنظمات الرياضية مثلاً، وهي جميعاً سمات إنسانية عامة وهي لا تنتمي بشكل مباشر للأساس أو البناء العلوي، ولكنها عناصر ضرورية في أي تكوين اقتصادي اجتماعي، ذلك أن الناس لا يمكنهم بأي حال أن يفكروا أو يعملوا دون لغة أو سيلة للاتصال ولتبادل الآراء، كما أنهم لا يمكنهم التناسل والاستمرار دون حياة جنسية ودون أسرة وزواج.

وهذه الظاهرات تتغير بتغير المكونات الاقتصادية والاجتماعية، فإشكال التجمعات الإنسانية تختلف باختلاف التكوينات، ففي المجتمع البدائي نجد العشيرة والقبيلة، وفي المجتمع الإقطاعي نجد القومية وفي المجتمع الرأسمالي نجد الأمة ويتغير أسلوب الحياة والأسرة والزواج بتغير التكوينات الاقتصادية والاجتماعية.

أما اللغة فعلى الرغم مما قد تتعرض له من تغيرات فإنها تنتقل من تكوين ﻵخر، وكذلك الحال بالنسبة للعلوم التي يمثلها الناس ويطبقونها في حياتهم وعملهم في مختلف التكوينات.

والظاهرات الاجتماعية التي يتكون منها التكوين الاقتصادي الاجتماعي ترتبط ببعضها ارتباطاً عضوياً، وتؤثر في بعضها البعض بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهي جميعاً تمثل سوياً كائناً اجتماعياً متشابكاً معقداً دائم التطور هو التكوين الاقتصادي والاجتماعي.

هناك إذن وحدة وتفاعل بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج وبين الأساس والبناء الفوقي، والبناء الفوقي يرتبط أيضاً بالقوى الإنتاجية، لا بطريقة مباشرة ولكن بطريقة غير مباشرة من خلال الأساس الاقتصادي، كما أن عناصر البناء الفوقي أيضاً تفاعل مع بعضها، فالسياسة مثلاً تؤثر على الفن والأخلاق والفلسفة وغيرها من صور الحياة الروحية للناس.

ويؤثر الإنتاج والأساس والبناء الفوقي على العلاقات الأسرية وأسلوب الحياة، وهكذا نرى أن التكوين الاقتصادي والاجتماعي يمثل تفاعلاً متداخلاً بين مختلف الظاهرات الاجتماعية وأكثرها تبايناً بينهما يظل الإنتاج المادي هو السبب الأول أو الأساس الأول في تفاعلها.

وتتضمن أهمية مقصود التكوين الاقتصادي والاجتماعي في أنه يفسر الوحدة العضوية، بين متنوع الظاهرات الاجتماعية والترابط المتبادل بينها، كما أنه يبين لنا أنه لا يمكن الحديث بشكل مجرد عن المجتمع بوجه عام، ولكن يجب دائماً الحديث عن مجتمع ذي طابع خاص مميز، فلكل تكوين اقتصادي اجتماعي قواه الإنتاجية الخاصة به ونمط محدد من علاقات الإنتاج وحياة روحية تميزه، وهكذا فإن كل تكوين يخضع لقوانين تاريخية عامة ولكنه يخضع أيضاً لقوانين خاصة به.

فالمجتمع الاشتراكي مثلاً يخضع لقوانين التطور المخطط والمتناظر والتزايد المستمر لدور الجماهير فيه، وهكذا يرى ماركس أنه لا يمكن فهم العلاقات الاجتماعية بدون إرجاعها إلى علاقات الإنتاج وربط علاقات إنتاج بالقوى الإنتاجية.

وعلى أساس مفهوم التكوين الاقتصادي والاجتماعي أمكن لماركس تقسيم تطور المجتمعات إلى المراحل الست التالية، المرحلة الجماعية البدائية، والمرحلة العبودية، ومرحلة الإقطاع، والمرحلة الرأسمالية، والمرحلة الاشتراكية، وأخيراً المرحلة الشيوعية، وتمثل كل مرحلة من هذه المراحل تكوينات اقتصادية اجتماعية متمايزة.

والتطور أو التغير الكيفي من تكوين اجتماعي اقتصادي إلى آخر لا يتم فجأة ولكنه يحدث نتيجة تغيرات كمية تدريجية داخل كل تكوين تتراكم حتى يحدث التغير الكيفي، فالرأسمالية مثلاً تمر قبل تحولها إلى الاشتراكية بتغيرات تدريجية من الرأسمالية قبل الاحتكارية إلى الرأسمالية الاحتكارية، ثم الاستعمارية.

ومن المعروف تاريخياً أن الانتقال من تكوين إلى آخر لا يقضي كلية ومرة واحدة على كل آثار التكوين القديم، أي أنه لا يوجد بالفعل تكوين خاص أو نقي، فأي تكوين اقتصادي اجتماعي يتضمن بقايا من التكوين السابق، فالتكوين الاشتراكي مثلاً يظل يحتوي على بقايا من الرأسمالية في عقول وسلوك أعضاء المجتمع الاشتراكي.

نلخص من ذلك إذن إلى أن ماركس قد رأى أن المجتمع في حالة تطور مستمر وهذا التطور تحكمه قوانين محددة ووظيفة عالم الاجتماع الأساسية هي الكشف عن هذه القوانين وفهمها ثم استخدامها من أجل المساعدة على تطوير المجتمع.

وهكذا نرى أن النظرية الاجتماعية الماركسية، تنظر إلى المجتمع على أنها وحدة كلية اجتماعية اقتصادية مترابطة في حركة مستمرة وتحول دائم ويعتمد أداؤه لوظائفه الحيوية على تطوير أسلوب الإنتاج فيه، ويحدد أسلوب الإنتاج هذا في نهاية الأمر التغيرات التي تحدث في نظامه السياسي والمعنوي أو ما يسمى بالبناء الفوقي، ويكون لهذا البناء الفوقي استقلال نسبي حيث يؤثر داخل حدود معينة على الأساس الاقتصادي ويتأثر به.


شارك المقالة: