الفتح الأموي في الأندلس وصعود الحضارة الإسلامية في أوروبا

اقرأ في هذا المقال


الأندلس قبل الفتح الأموي

عندما كانت دول أوروبا بأكملها منغمسة في الجهل المطلق والحرب، جاء الإسلام إلى إسبانيا حاملاً المعرفة والحضارة الرائعة ليس فقط إلى المنطقة ولكن إلى القارة الأوروبية ككل.

صعود الحضارة الإسلامية في أوروبا

في عام (714) م في أحداث الفتح الأموي الإسلامي للأندلس قامت أغلبية المدن بفتح أبوابها أمام الجيوش الأموية واستخدم الشعب الشعارات الإسلامية رغبة منهم بالحكم الإسلامي الجديد والتخلص من الحكام القوط السابقين الفاسدين.

عند وصول الفتح الإسلامي الأموي إلى إسبانيا كانت أوروبا تعيش في دروب الجهل والظلام وكانت تعارض أي بحث علمي أو تقدم، في فترة العصور الوسطى كانت الكنائس تقوم في التحقيق في معتقدات الناس، كثير من الناس، وخاصة العلماء، اتهموا بالردة والشرك والسحر في ما يسمى بمحاكم التفتيش. حُكم على هؤلاء الأشخاص في البداية بالتعذيب، وفي النهاية، بالإعدام بأشكال غير إنسانية للغاية.

مع الفتح الأموي للأندلس انقلب مصير هذه المنطقة بأكملها، ضمن المسلمون حرية المسيحيين واليهود ومن خلال الجزية الإسلامية وكانت لهم الملاذ، لقد كانت رحمة المسلمين وحسن سلوكهم وتعاملهم مع المسيحيين واليهود جعلتهم يتمتعون بالحرية والأمن خلال حكم المسلمين أكثر من أي وقت مضى، كانوا أصحاب أملاكهم وكنائسهم ومعابدهم، وفي حالات انتهاك الشريعة الإسلامية، تمت محاكمتهم وفقًا لقوانينهم الخاصة.

هذه الحرية الدينية جعلت المسيحيين قريبين من المسلمين بحيث كان هناك زواج بين رجال مسلمين ونساء مسيحيات، علاوة على ذلك، اختار بعض المسيحيين أسماء إسلامية وحضروا مراسم جيرانهم المسلمين، اتبع المسيحيون بحرية عادات وآداب المسلمين، كما عامل المسلمون الأندلسيون اليهود بسلام، عندما عانى اليهود في الكثير من مناطق أوروبا من الاضطهاد والقتل، لجأ بعضهم إلى الأندلس ووفر لهم المسلمون الأمن والأمان والحرية.

بعد الفتح الإسلامي للأندلس، ازدهرت المنطقة في كافة المجالات سواء الفنية أو الثقافية وكما ذكر العديد من المؤرخين الغرب مثل المؤلف لوكاس مؤلف كتاب “تاريخ قصير للحضارة”، فإن الإنجازات العظيمة للمسلمين في الالتواء لها أهمية كبيرة للثقافة الأوروبية.

بعد فتح أبواب إسبانيا للمسلمين، استطاع الحكام المسلمون مزج الإسلام مع الثقافة والتعليم والفكر، مع قبول القيم والتقاليد الإسلامية، تطورت حياة سكان الأندلس، وأصبحت معظم المدن الأندلسية مراكز علمية وفنية وثقافية، ونشرت العلم والتطور والازدهار الإسلامي إلى الأراضي المسيحية الأوروبية.

كانت الثورة العلمية التي جاء بها الأمويون إلى الأندلس قد استهدفت الكثير من العلماء المشهورين الذين قنطوا هناك، وذكرت المصادر التاريخية عن وجود حوالي (400000) كتاب في مكتبة قرطبة الأموية، كان هذا آثار الفتح الأموي الإسلامي في الأندلس، كانت مكتبة قرطبة فيه آلاف الكتب بينما أكبر المكتبات المسيحية في أوروبا قبل القرن الثاني عشر كان فيها مئات من الكتب فقط.

أصبح الإسلام في الأندلس مصدر تقدم وازدهار وتشكيل النظم الاجتماعية وتطوير هذه الأرض، لذلك تقدمت شؤون المدن والخدمات العامة والاتصالات بشكل سريع، مع تطور الأنشطة الاقتصادية في مختلف قطاعات الصناعة، تمتعت صناعة الغزل والنسيج أيضًا بنمو وتطور كبير، اشتهرت أقمشة مدينة غرناطة لدرجة أن أقمشتها صُدرت إلى أجزاء مختلفة من أوروبا، وكان لوصول الأقمشة الإسلامية المميزة إلى أسواق أوروبا إلى ارتداء المسيحيين ملابس المسلمين.

ازدهرت أعمال الزجاج في الأندلس، ويُذكر أن العالم الأندلسي الشهير عباس بن فرناس أول من صنع الزجاج من الحجر، اخترع  نظارات وميزان حرارة بآلية معقدة وآلة طيران في القرن التاسع الهجري، وقام بالعديد من الاختراعات المهمة التي بنيت عليها العلوم في وقتنا الحاضر.

من خلال نقل الأسلوب الزراعي الحديث والمتطور، استطاع المسلمون تطوير الحياة الريفية لهذه الأرض، ومن الجدير بالذكر أن الأوروبيين استطاعوا الاستفادة من مبادرات المسلمين في تطوير الزراعة وتقنيات الزراعة، وهكذا تم إرسال نباتات مثل الزعفران من هذه المنطقة إلى أوروبا وتم الترويج لزراعتها، أثر ازدهار الزراعة على التجارة وتحول موانئ ملقة والميريا إلى مراكز لتصدير السلع التجارية، تم تصدير السلع الإسبانية إلى أجزاء أخرى من أوروبا ويمكن رؤية بعض سلع الأندلس في أسواق مكة وبغداد ودمشق ومناطق أخرى.

يدل وجود الأبنية الضخمة في الأندلس على قوة وذوق ومبادرة المسلمين وتقدمهم، تمثل الأعمدة الكبيرة والأقواس المنحنية والمآذن والقباب والزخارف الجبسية فن العمارة الإسلامية في الأندلس، يُعد مسجد قرطبة من أعظم أعمال هذا العصر، تضرر جزء من هذا المسجد الرائع خلال الغزو المسيحي للأندلس في محاولة لبناء كنيسة في مكانه ولكن بقي جزء كبير منه كما كان في نهاية القرن التاسع.

تكتب الباحثة الألمانية سيجريد هونك في كتابها “إسبانيا هي الإدراك الكامل للفن الإسلامي وذروته، إذا كان هناك تطور وتقدم في العالم، فقد تأسس في الأندلس الإسلامية، تحقق أغنى نمو وتطور وأعلى رخاء حيث لم تنمو حضارة أصلية على الإطلاق، كمثل الحضارة الإسلامية الأموية في الأندلس.

في مدينة قرطبة كان هناك كنيسة كبيرة سمح للمسيحيين بترميمها واستخدامها في عبادتهم بينما بنى الفاتحون المسلمون لأنفسهم مساجد بسيطة حول المدينة، بعد زيادة عدد سكان مدينة قرطبة، كان لا بد من بناء مسجد في المدينة، فاشترى عبد الرحمن الداخل الكنيسة من النصارى وحوّلها إلى مسجد كبير “ليؤدي المسلمين فيه عباداتهم.

ما ذكرناه في هذا المقال كان جزءًا صغيرًا ونبذه بسيطة من صعود وانتشار الحضارة الإسلامية العظيمة في أوروبا، لكن الأهم هو أن الأندلس الإسلامية، بكل بهائها قد دُمرت تمامًا بسبب انتشار الاختلاط بين المسلمين بعد (800) عام من الحكم الإسلامي العادل و المجيد.

يعطي صعود الإسلام وسقوطه في بلد أوروبي دروسًا كثيرة وكبيرة لمسلمي اليوم كتب المفكر العظيم في أواخر القرن العشرين، الشهيد آية الله مرتضى مطهري: “يظهر التاريخ البشري أنه كلما أرادت القوى الحاكمة السيطرة على مجتمع واستغلاله، فإنها تحاول إفساد روح المجتمع وتشجيع الناس على الفجور.

مثال مروع من هذه الطريقة القبيحة كانت الكارثة التي حدثت في إسبانيا المسلمة للمسلمين، فاستخدم المسيحيون هذه الطريقة لإخراج إسبانيا من أيدي المسلمين ونجحوا في إزالة عزيمة المسلمين وعزمهم وشجاعتهم وإيمانهم ونقاوتهم وتحويلهم إلى متواضعين، الأشخاص الضعفاء، الفاسدون، والمتأثرين، من الواضح أن التغلب على مثل هؤلاء الأشخاص ليس مهمة صعبة جدا حينها  “.

ولكن في نهاية المقال لا يسعني إلاّ القول بأن ما وصل إليه حال المسلمون اليوم ما هو إلاّ بسبب بعدنا عن الدين، ونرجو الله العلي العظيم أن ينصر الإسلام والمسلمين وترجع القوة والعزة لدين الإسلام من جديد.


شارك المقالة: