تفسير الظاهرة الاجتماعية عند دور كايم

اقرأ في هذا المقال


تطورت هذه الاستراتيجية المنهجية على يد دور كايم ﻹبعاد علم الاجتماع عن كل من علمي النفس والأحياء، وبالتالي لتدعيم الاستقلالية والواضحة لعلم الاجتماع كعلم له ميدان محدد هو الظواهر الاجتماعية.

تطوير استراتيجية الظاهرة الاجتماعية عند دور كايم:

لم يكتف دور كايم بتطوير هذه الاستراتيجية والدعوة لها، وإنما أوضح تطبيقها العملي في أغلب دراساته، ففي دراسته عن أنماط الانتحار يستعمل البيانات الإحصائية التي حصل عليها، ويصنفها بطريقة خاصة لتوضيح هذه الاستراتيجية، وتأكيد قدرتها على تقديم تفسيرات حقيقية للظواهر الاجتماعية.

أنماط الانتحار عند دور كايم كظاهرة اجتماعية:

قام دور كايم بتصنيف حالات الانتحار التي جمع بيانات حولها إلى ثلاثة أنماط رئيسية وهي: الانتحار الأناني، والانتحار الغيري، والانتحار الأنومي، أو اللامعياري، وهناك نمط رابع يتحدث عنه دور كايم أحياناً هو نمط الانتحار القدري، ويرتبط هذا النمط في كتاباته بعوامل جغرافية أهمها المناخ السائد.
كما أوضح أن كل نمط من هذه الأنماط، وبخاصة الثلاثة الأولى مسبب عن متغير أو ظاهرة اجتماعية، وليس عن متغير نفسي أو بيولوجي، ويسمى دور كايم هذا المتغير الاجتماعي (طبيعة التماسك في المجتمع)، فالانتحار الأناني ينتج عن وضع اجتماعي يتميز بقلة اندماج الفرد مع الجماعة، أو بدرجة منخفضة من التماسك الاجتماعي.

أما الانتحار الغيري فهو يرتبط بوجود درجة مرتفعة من التماسك الاجتماعي، بينما يرتبط نمط الانتحار الأنومي، كما أوضحت بيانات دور كايم الإحصائية، بوجود درجة واضحة من اضطراب المعايير الاجتماعية، مما ينتج عنه حالة من عدم الوضوح، تؤدي إلى حالة من عدم الشعور بالأمن، تدفع ببعض الأفراد للانتحار.

إن تركيز دور كايم على المتغيرات الاجتماعية في تفسيره للانتحار، قد أدى إلى أهمال المتغيرات النفسية التي قد يكون لها دور في دفع بعض الأفراد للانتحار، ففي كل مجتمع هناك عدد من الأفراد يعانون من اضطرابات عقلية قد تؤدي وبشكل مستقل عن العوامل الاجتماعية إلى انتحارهم.
عمل دور كايم على اختبار نظرياته بطريقة أخرى، باستعمال الأدلة التاريخية، ليرى هل تتغير المعايير الاجتماعية باعتبارها نتيجة لتغيرات في الأوضاع الاجتماعية، وهذه المناقشة وهي مناقشة إمبيريقية، تشكل جوهر كتاب (تقسيم العمل الاجتماعي)، وبالتحديد فإن دور كايم يوضح في هذا الكتاب كيف يتغير الضمير الجمعي، وهو حقيقية أو ظاهرة اجتماعية، نتيجة للتغير في تقسيم العمل، وهو أيضاً ظاهرة اجتماعية أخرى.

المصدر: الإشكاليات التاريخية في علم الاجتماع السياسي، عبد القادر جغلول، 1982.التفكير الاجتماعي نشأته وتطوره، زيدان عبد الباقي، 1972.النظرة الارتقائية، محمد الطالبي، 1979.السببية والحتمية عند ابن خلدون، مها المقدم، 1990.


شارك المقالة: