تفسير العلاقة بين الطبقة الاجتماعية والجريمة

اقرأ في هذا المقال


في حين أنّ أصل الطبقات الاجتماعية واضح نسبيًا فإنّ تأثير الانقسامات الطبقية على الجريمة أقل، حيث تقدم التقارير السنوية لخصائص الأشخاص الموقوفين في الولايات المتحدة على سبيل المثال لا الحصر نظرة ثاقبة فيما يتعلق بالجنس والعمر والعرق ولكنها لا تخبرنا كثيرًا عن خصائص الطبقة الاجتماعية مثل الدخل أو المهنة أو الإقامة، وتنبع أهمية هذا الجدل من حقيقة أنّ معظم النظريات الإجرامية الراسخة مبنية على الاعتقاد بأنّ هناك شيئًا ما يتعلق بأسلوب حياة الطبقة الدنيا وهو أمر إجرامي بطبيعته، وفي الواقع خلال العقود الأولى والمتوسطة من القرن العشرين بدأت معظم النظريات الإجرامية الجديدة بافتراض وتفسير أنّ الجريمة كانت في الأساس ظاهرة الطبقة الدنيا بناءً على تصورات وأبحاث مدروسة.

نظريات شرحت العلاقة بين الطبقة الاجتماعية والجريمة

على الرغم من أنّ العلاقة بين الطبقة الاجتماعية والجريمة لا تزال محل نزاع وغير واضحة، إلّا أنّها لم تمنع تطوير عدد من التفسيرات النظرية والتي تمت صياغتها حول الاعتقاد بأنّ الفقراء الطبقة الدنيا يرتكبون جرائم أكثر خطورة، وهناك ثلاثة أنواع من التفسيرات وهم:

النظريات الفردية والعلاقة بين الطبقة الاجتماعية والجريمة

حاليًا النظريات الأكثر تفضيلًا هي تلك التي تشير إلى أنّ المعدلات الأعلى لجرائم الشوارع بين الفقراء هي نتاج فشل الأسرة والأخلاق الشخصية، وبشكل جماعي تعتبر هذه النظريات تفسيرات فردية للجريمة، حيث جادل بودي كونت وهو تقييم متحفظ ومؤثر لاتجاهات الجريمة بأنّ الجريمة هي نتيجة الفقر الأخلاقي.

كما ادعى المؤلفون أنّ معدلات الجريمة المرتفعة تحدث عندما تفشل العائلات في فرض فهم أخلاقي واضح للصواب والخطأ على الجيل التالي، ومن خلال التركيز على مجرمي الشوارع يوضح المؤلفون أنّهم مهتمون في المقام الأول بالفقر الأخلاقي للطبقات الفقيرة وليس بالفقر الأخلاقي للعائلات التي تنتج مجرمي الشركات والسياسيين.

نظريات التفاعل الاجتماعي والعلاقة بين الطبقة الاجتماعية والجريمة

تشير مجموعة ثانية من المناهج إلى أنّه إذا لم يكن الأمر يتعلق بالممارسات التمييزية لنظام العدالة الجنائية، فإنّ الأثرياء سيظهرون على قدم المساواة مع الفقراء أو بعبارات أكثر إيجابية سيبدو الفقراء مثل القانون ويحافظ على الأثرياء، وتؤكد هذه التفسيرات التفاعلية الاجتماعية أنّ المجرمين الذين يظهرون في الإحصاءات الرسمية فقراء بشكل غير متناسب لأنّه:

1- يركز نظام العدالة على السيطرة على المجتمعات الفقيرة.

2- تزيد هذه الممارسة من احتمالية ارتكاب جريمة في المستقبل من خلال تصنيف سكان هذه المناطق، على وجه الخصوص الشباب كمجرمين في سن مبكرة، والمثال النموذجي الذي تم طرحه هو أنّ نسبة متعاطي المخدرات بين طلاب الجامعات لا تقل عن تلك الموجودة في المجتمعات الفقيرة، ومع ذلك فإنّ طلاب الجامعات لديهم مخاطر أقل بكثير في قضاء الوقت كمجرمي المخدرات من سكان المجتمعات الفقيرة لأنّهم ليسوا المستهدفين في الحروب على المخدرات وهي حروب على الفقراء.

على الرغم من وجود بعض المزايا لهذا النهج فإنّ السؤال الذي يبقى هو: لماذا يقوم نظام العدالة الجنائية بذلك؟ هل هو مجرد انعكاس للمواقف التمييزية للأشخاص الذين يعملون في نظام العدالة، أم أنّهم كعمال جيدين يسعون ببساطة إلى تحقيق الأهداف التي حددها لهم نظام سياسي واقتصادي أوسع؟

نظريات النتائج الهيكلية والعلاقة بين الطبقة الاجتماعية والجريمة

أخيرًا هناك باحثون يجادلون بأنّ المجتمعات الفقيرة تعاني من معدلات أعلى من الجريمة بنفس الطريقة التي تعاني بها من مستويات غير متناسبة من المشاكل الأخرى، مثل تعاطي الكحول والمخدرات والاضطرابات الطبية والتوتر واليأس وليس بسبب الفشل الفردي، ولكن بسبب الضغوط الجسدية والعاطفية للفقر وعدم المساواة، وتركز منظورات النتائج الهيكلية هذه على التناقض الناجم بنيوياً بين الرغبات المادية للناس في الطبقات الفقيرة ووصولهم إلى الفرص المشروعة لتحقيقها.

وكما وصف في البداية روبرت ميرتون فإنّ مفهوم الإجهاد البنيوي هذا يؤكد أنّه على الرغم من أنّ الرغبات في الأشياء الجيدة في الحياة موزعة بالتساوي بين جميع الطبقات الاجتماعية، فإنّ الفقراء لديهم موارد أقل للحصول عليها، ويحل بعض الأفراد هذا الضغط باللجوء إلى وسائل غير قانونية لتلبية رغباتهم المكتسبة ثقافيًا، وعندما يتعلق الأمر بالجرائم غير العسكرية مثل العنف بين الأشخاص أو تعاطي المخدرات فإنّ نماذج النتائج الهيكلية تحول تركيزها نحو كيف يمكن للإحباطات والحزن اليومي للفقراء أن يزيد من الميول نحو العدوانية أو العلاج الذاتي بالمخدرات والكحول كمهرب من مصاعب الحياة اليومية.

الطبقة الاجتماعية ونوع الجريمة

بغض النظر عن النتيجة المستقبلية للنقاش المستمر حول ما إذا كانت الطبقة الاجتماعية تحدد الإجرام من حيث حدوث الجريمة أو حتى انتشارها، يبدو من المرجح أنّ الطبقة الاجتماعية تشكل على الأقل أنواع الجرائم التي يرتكبها المرء، فكما كتب المغني الشعبي الشعبوي في الثلاثينيات وودي جوثري: “بعض الرجال يسرقونك بستة مسدسات والبعض الآخر بقلم حبر”، ويعتمد ما إذا كان المرء يستخدم ستة مسدسات أو قلم حبر على الحالة الاجتماعية والاقتصادية للفرد.

على الرغم من أنّه من الواضح أنّ أولئك الذين يشغلون المناصب الأكثر امتيازًا وقوة يمكنهم بالتأكيد، ويفعلون ذلك في بعض الأحيان الانخراط في جرائم خاصة من الجشع أو الشهوة أو الجنون، إلّا أنّه نادرًا ما يكون من الممكن لأولئك الذين ينتمون إلى الطبقات الدنيا الانخراط في العديد من السلوكيات غير القانونية للغني، وتتطلب الجرائم مثل تحديد الأسعار والاختلاس والاحتيال عن طريق الأسلاك والأوراق المالية وظائف وظروف يمتلكها الأشخاص الذين تعرضوا للتعليم المتقدم وامتيازات اجتماعية وثقافية أخرى.

نظام الاعتقال بين الطبقة الاجتماعية ونوع الجريمة

ومع ذلك فإن نظام العدالة الجنائية مصمم بشكل حصري تقريبًا للسيطرة على الأشخاص الذين يسرقون الفرد بستة مسدسات، فأولئك الذين يرتكبون جرائم مؤسسية وسياسية بقلم ليس لديهم ما يخشونه من نظام العدالة، وبعبارة أخرى لا تشكل الطبقة الاجتماعية نوع الجريمة التي يمكن للمرء ارتكابها فحسب بل تؤثر أيضًا على احتمال الاعتقال وشدة العقوبة، فالعديد من الجرائم التي يشارك فيها أشخاص من الطبقة الدنيا مثل الاتجار بالمخدرات والزنا والسرقة تحدث في الخارج في الشارع حيث يكون الكشف عنها أكثر احتمالا.

ومع ذلك تميل الجرائم التي ترعاها الدولة والشركات وذوي الياقات البيضاء إلى الحدوث خلف الأبواب المغلقة للمكاتب وغرف الاجتماعات حيث يكون الكشف عنها أكثر صعوبة، وأيضًا عند حدوث التوقيف والتهديد بالمقاضاة الجنائية من المرجح أن يتجنب الأفراد الذين يمتلكون رأس المال الاقتصادي والاجتماعي العقوبة، وهم قادرون على دفع الكفالة وتوظيف محامين ذوي خبرة عالية السعر والمشاركة في تطوير دفاعهم، واستخدام وضعهم في المجتمع لتقليل احتمالية الإدانة و / أو العقوبات الشديدة.

ومع ذلك قد لا يكون الأفراد في الطبقات الدنيا قادرين على رفع الكفالة ومن المرجح أن يتم تمثيلهم من قبل محامي عام يعمل فوق طاقته ولا يتمتع بخبرة كافية، وقد لا يلتقي الجناة المحرومون اقتصاديًا بمحاميهم إلّا قبل دقائق من المحاكمة وعندما يفعلون ذلك غالبًا ما يتم إقناعهم بالاعتراف بالذنب مقابل عقوبة أقل قسوة.


شارك المقالة: