طرق تربية الطفل ومؤشرات ارتكاب الجرائم

اقرأ في هذا المقال


تتنبأ العديد من أنواع طرق تربية الأطفال بجنوح الطفل، حيث إنّ أهم أبعاد تربية الأطفال هي الإشراف أو المراقبة للأطفال والتأديب أو تعزيز الوالدين ودفء أو برودة العلاقات العاطفية، ومن بين جميع طرق تربية الأطفال هذه عادةً ما يكون الإشراف الأبوي الضعيف هو أقوى عامل تنبؤ بالإجرام وأكثرها قابلية للتكرار، ويتنبأ عادةً بخطر مضاعف للانحراف، ويشير هذا إلى درجة مراقبة الوالدين لأنشطة الطفل ودرجة يقظتهم.

السلوك الإجرامي وضعف الإشراف الأبوي

تظهر العديد من الدراسات أنّ الآباء الذين لا يعرفون مكان أطفالهم عندما يكونون خارج المنزل، والآباء الذين يتركون أطفالهم يتجولون في الشوارع دون إشراف منذ سن مبكرة يميلون إلى أن يكون لديهم أطفال جانحين، فعلى سبيل المثال في دراسة كامبريدج-سومرفيل الكلاسيكية في بوسطن كان ضعف الإشراف الأبوي في مرحلة الطفولة هو أفضل مؤشر على كل من العنف والمخالفات على الممتلكات حتى سن الخامسة والأربعين.

السلوك الإجرامي والتأديب الأبوي الشديد

كما يشير التأديب الأبوي إلى كيفية تفاعل الوالدين مع سلوك الطفل، فمن الواضح أنّ التأديب القاسي أو التأديبي الذي يتضمن العقاب البدني -أحيانًا يقترب من الإساءة الجسدية- يتنبأ بجنوح الطفل، وفي دراسة متابعة لما يقرب من سبعمائة طفل من نوتنغهام وجد جون وإليزابيث نيوسون أنّ العقوبة الجسدية في سن السابعة والحادية عشرة تنبأت بإدانات لاحقة، بينما 40 في المائة من الجناة تعرضوا للضرب في سن الحادية عشرة مقارنة بـ 14 في المائة من غير الجناة، كما أنّ الانضباط غير المنتظم أو غير المتسق يتنبأ بالجنوح.

يمكن أن يشمل ذلك إما تأديبًا خاطئًا من قبل أحد الوالدين وغض الطرف أحيانًا عن السلوك السيئ ومعاقبته بشدة في بعض الأحيان، أو التناقض بين الوالدين حيث يكون أحد الوالدين متسامحًا أو متساهلًا والآخر عقابيًا بشدة.

الدفء الأسري والسلوك الإجرامي

يميل الآباء الباردون الرافضون أيضًا إلى إنجاب الأطفال الجانحين، كما وجد جوان ماكورد في عام 1979 منذ أكثر من عشرين عامًا في دراسة كامبريدج-سومرفيل، ففي دراسة أجريت عام 1997 خلص ماكورد إلى أنّ دفء الوالدين يمكن أن يكون بمثابة عامل وقائي ضد آثار العقوبة الجسدية، وفي حين تمت إدانة 51 في المائة من الأولاد الذين يعانون من أمهات لا يتصفن بالحنان والعقاب الجسدي في دراستها، وتمت إدانة 21 في المائة فقط من الأولاد الذين لديهم أمهات دافئة وعقوبات جسدية، على غرار 23 في المائة من الأولاد الذين لديهم أمهات دافئة وغير عقابية تمت إدانتهن، كما تم الحصول على نتائج مماثلة للآباء.

نظرية تراسلر

بصرف النظر عن نظريات التعلق فإنّ معظم النظريات التي تفحص الصلة بين طرق تربية الأطفال والجنوح هي نظريات تعليمية، فقد قدم جوردون تراسلر (Gordon Trasler) واحدة من أكثر نظريات التعلم المبكر تأثيرًا، واقترحت نظرية تراسلر أنّه عندما يتصرف الطفل بطريقة مرفوضة اجتماعيًا فإنّ الوالد سيعاقب الطفل، وتسببت هذه العقوبة في رد فعل قلق أو حالة غير سارة من الاستثارة الفسيولوجية.

بعد عدد من التزاوج بين الفعل المرفوض والعقاب أصبح القلق مرتبطًا بالفعل ومشروطًا أيضًا بتسلسل الأحداث التي سبقت الفعل، وبالتالي عندما يفكر الطفل في الفعل المرفوض ينشأ القلق المشروط تلقائيًا ويميل إلى منع الميل إلى ارتكاب الفعل وبالتالي يصبح الطفل أقل احتمالًا للقيام به، ومن ثم اعتبر تراسلر أنّ الضمير هو في الأساس استجابة مشروطة للقلق، وقد يتم اختبار هذه الاستجابة بشكل شخصي على أنّها شعور بالذنب.

أكد تراسلر على الاختلافات في سلوك الوالدين في تربية الأطفال باعتبارها المصدر الرئيسي للتفاوت في الميول الإجرامية أو في قوة الضمير، ووفقًا لتراسلر من غير المرجح أن يكوِّن الأطفال رابطًا بين السلوك المرفوض والقلق ما لم يراقبهما آباؤهم عن كثب، واستخدموا العقوبة باستمرار وجعلوا العقوبة مشروطة بالأفعال المرفوضة، ومن ثم فإنّ ضعف الإشراف والانضباط غير المنتظم وعدم الاتساق بين الوالدين كلها عوامل تؤدي إلى الانحراف عند الأطفال، وكان من المهم أيضًا للوالدين أن يشرحوا للأطفال سبب تعرضهم للعقاب حتى يتمكنوا من التمييز بدقة بين السلوك الذي تم رفضه.

جادل تراسلر بأنّ أولياء الأمور من الطبقة الوسطى كانوا أكثر ميلًا لتوضيح للأطفال سبب معاقبتهم وأكثر عرضة للاهتمام ببناء الشخصية على المدى الطويل وغرس المبادئ الأخلاقية العامة، وارتبط هذا النهج بالتسهيل الأكبر للآباء من الطبقة الوسطى مع اللغة والمفاهيم المجردة، وفي المقابل كان الآباء من الطبقة الدنيا يراقبون أطفالهم بشكل أقل عن كثب وكانوا أكثر تناقضًا في استخدام التأديب، لذلك ارتكب أطفال الطبقة الدنيا المزيد من الجرائم لأنّ الآباء من الطبقة الدنيا يستخدمون أساليب أقل فاعلية في التنشئة الاجتماعية.

اقترحت نظريات التعلم الاجتماعي الحديثة -على سبيل المثال باترسون- أنّ سلوك الأطفال يعتمد على المكافآت والعقوبات الأبوية وعلى نماذج السلوك التي يمثلها الآباء، ويميل الأطفال إلى الانحراف إذا لم يستجيب الآباء باستمرار وبشكل محتمل لسلوكهم المعادي للمجتمع وإذا كان الآباء أنفسهم يتصرفون بطريقة معادية للمجتمع، ولقد ألهمت هذه النظريات استخدام أساليب تدريب الوالدين لمنع الانحراف.

اضطرابات في التربية تؤدي إلى السلوك الإجرامي

يؤدي الاضطراب خلال هذه المراحل إلى زيادة الميل إلى السلوك الإجرامي الذي يؤدي إلى زوال المجتمع من خلال عملية ثلاثية:

1- أولاً تخلق الأسرة المفككة الظروف لتهيئ الأطفال للأنشطة الإجرامية، وإنّ العائلات التي لا أب لها مع أمهاتها غير قادرة أو غير راغبة في تقديم المودة والدفء اللازمة والقتال والعنف المنزلي وعدم كفاية الإشراف على الأطفال وتأديبهم وسوء معاملة الأطفال، كلها خصائص مشتركة للعائلات المفككة التي تساهم أيضًا في النشاط الإجرامي.

2- ثانيًا يميل الأطفال الذين ينتمون إلى هذه العائلات المفككة إلى تجارب مجتمعية سلبية لزيادة تشجيعهم على المشاركة الإجرامية، فعلى سبيل المثال يميلون إلى مواجهة الرفض من الأطفال الآخرين والصراع في المدرسة والمشاركة في العصابات.

3- في نهاية المطاف أدت هذه الظروف إلى انهيار المجتمع، بحيث يميل الشباب المجرمين إلى العيش في أحياء عالية الجريمة، وكل منهما يعزز الآخر في علاقة مدمرة ويتدهور في العنف والفوضى الاجتماعية.

في كل هذه المراحل فإنّ قلة التفاني وجو الرفض أو الصراع داخل الأسرة يقلل من تجربة الطفل في حياته الشخصية كواحدة من الحب والتفاني ومكانًا للانتماء، وبدلاً من ذلك يتسم بشكل متزايد بالرفض والتخلي والصراع والعزلة وحتى الإساءة، ويُجبر الطفل على البحث عن مكان ينتمي إليه خارج هذا المنزل، وفي أغلب الأحيان لا يجده في المجتمع العادي، ويجده من بين الآخرين الذين عانوا من رفض مماثل، ولا يجدون القبول والرعاية من البالغين المهتمين ويبدأون في نقل شكل القبول الخاص بهم.


شارك المقالة: