قيام دولة الخلافة العباسية:
لم يكن قيام دولة الخلافة العباسية مجرد بيعة خليفة دون آخر، أو انتقال الحكم من الأمويين إلى العباسيين في حكم المسلمين، ويعتبر هذا الحدث أكثر من مجرد تغيير في الأسرة الحاكمة. لقد كانت الثورة العباسية وما نتج عنها من تغيير جذري في العباسي الأول .
وقد ثبت أن التنظيم العقدي في فترة التحضير للثورة ينم عن عبقرية في الإعداد والترتيب. لقد وضع العباسيون الأوائل نهجاً في التنظيم السري أضحى مثالاً يُحتذئ. طبقته بعض الدول التى قامت فى كنف الخلافة العباسية (كالفاطميين)، بالإضافة إلى الحركات السرية التي قامت في بلاد المسلمين (كالقرامطة)، ويقوم هذا التنظيم على السرية المطلقة؛ وقد انتهج العباسيون الأوائل هذا الأسلوب السري على أثر الكوارث التى حلت بآل البيت طيلة العصر الأموي.
وتقوم الدعوة السرية حول إمام يدير دفة هذه الحركات السرية ويرعى هذه التنظيمات ويوجه النقباء والدعاة ويقودهم. وقد آلت الإمامة في هذا وضع المشرفون على الدعوة العباسية تنظيماً إدارياً سرياً تضمن سلسلة من المراتب بشكل تسلسلي بهدف تيسير مهمة القائمين بها. تبدأ هذه السلسلة بمرتبة (النقباء)، التنظيم السري إلى بني العباس في فترة مرحلية بالغة الأهمية.
وأدرك الإمام محمد بن على العباسى (118-125) هجري، الذي آلت إليه الدعوة العباسية والذي سعى لنيل الخلافة؛ أن نقل حق الإمامة من بيت إلى بيت آخر لا بد أنَّ مساعدي الأئمة؛ وكان عددهم اثني عشر نقيباً. وهم وحدهم يعرفون سر الإمام ويحتفظون بهذا السر لأنفسهم. وكانوا على طراز واحد من القدرات العسكرية والثقافية والإخلاص للدعوة؛ وقدرة على استقطاب الأنصار. ويلي مرتبة النقباء مرتبة (نظراء النقباء) وعددهم يساوي عدد النقباء . والنظير يحل محل النقيب عند وفاته.
يساعد النقباء عدد من الدعاة يبلغ عددهم سبعون داعي يأتمرون بأمرهم، ويتمتعون بقدرات
دعائية وعسكرية مماثلة. وبرز من بين هؤلاء عدد من الدعاة، أحذوا على عاتقهم إعداد الأنصار نفسياً وثقافياً. وإحداث الثورة، وكانت لهم مواقف مميزة. ويلي مرتبة الدعاة مرتبة دعاة الدعاة. ويتبع الدعاة في سلسلة المراتب طبقة أخرى أدنى مرتبة هي طبقة العمال حيث كان لكل داعٍ عددٌ من العاملين يديرون الجهاز السري وينتهي الجهاز بخلايا سرية كانت تتوغل في عمق المجتمع في كافة الأمصار.وقام منطق هذا الجهاز السري على شعارات هي المساوة والدعوة إلى الإصلاح.
ومن حيث الأمصار التي تنطلق منها الدعوة؛ فإن محمد بن علي أمر الدعاة بالتركيز على خراسان. وهذا يعنى فى واقعه التاريخي، العرب من مقاتلة ومستقرين والموالي. ويبدو أنه شَعَرَ بتأزم الوضع في خراسان واقترابه من الانفجار بفعل الصراعات القبلية وتذمر الموالي، فرأى أن (مرو)، وهي قصبة خراسان. هي المكان الملائم لاستقطاب الأنصار لجيش الثورة فأثبت بذلك أنه كان على تفهم تام الأوضاع؛ وتوزيع الولاءات في الأقاليم الإسلامية.
ومن حيث تحديد مقر الدعاة، فقد اتخذ الإمام العباسي الكوفة. وهي تصلح لأن تكون حلقة الوصل بين الهاشمية في الحميمة وميدان الحركة في (مرو)، بفعل جوها الموالي للثورة والمناهض للأمويين. وقد أشار محمد بن على على دعاته أن يتعاطوا مهنة التجارة لإخفاء هدفهم الدعائي عن السلطة؛ كما أوصاهم بنشر الدعوة بالحكمة .وهكذا توفر للدعوة العباسية القيادة الفذّة والدعاة المخلصون والبيئة الصالحة.