الأسرتان التاسعة والعاشرة للفراعنة - ملوك إهناسيا

اقرأ في هذا المقال


ملوك الأسرة التاسعة للفراعنة:

لم يتم المعرفة شيئاً عن النزاع الذي يُرجح أنه قام بين أمراء أهناسيا وآخر ملوك الأسرة الثامنة في منف، ولسنا نعرف شيئاً عن موقف حكام الأقاليم من الأسرة الجديدة عند نشأتها، ولكن يمكن القول بأنَّ الأوضاع العامّة لم تختلف كثيراً عن ذي قبل، واستمر الملوك الجدد يخطبون ود الحكام الأقوياء ويستعينون بهم. ونعرف من بردية تورين أنَّ عدد ملوك هذه الأسرة ثلاثة عشر، فقدت أسماء الكثيرين منهم بسبب تحطيم هذه البردية،‏ وأنّهم حكموا من (2123 – 2262)، أي (109) سنوات.

ومؤسّس هذه الأسرة (مري إب رع)، (أختوي)، وهو أختوي الأول، ويذكر في بعض المؤلفات باسم ‎(خيتي‎)،‏ الذي وصفه مانيتون بأنه كان ظالماً متجبراً لاقي الشعب على يديه كل أنواع العنف والشدة أكثر ممّا أصابهم على يدي أي ملك قبله، وأنه ظل في ظلمه وطغيانه حتى أصيب في أواخر أيامه بالجنون وانتهت حياته عندما فتك به أحد التماسيح.

وربما كان مانيتون كلامه صحيح فيما رواه عن قسوة أختوي وطغيانه، فإنّنا لا نتوقع من أمثال هذا الشخص من الطامحين المحاربين في عصر كانت تسوده الفوضى والأطماع، والبلد يتقاسمها الحكام، ويتحكم البدو في الدلتا ويتنافس حكام الصعيد فيما بينهم على النفوذ، لا نتوقع من ملك قوي جديد يُريد أنّ يؤسّس ملكاً جديداً، وله منافسون وحوله حاقدون وناقمون عليه، ألّا يقضي على كل من يقف في طريقه دون رحمة وهوادة.

ولا يوجد معرفة الكثير من المعلومات عن هذا الملك، ولسنا نعرف أيضاً من هم قادات الأقاليم الذين وقفوا إلى جانبه، أو مدى نجاحه في إعادة النظام إلى الدلتا رغم كل حروبه وكل قسوته، ولكنّا نشك في أنَّ الحالة تغيرت كثيراً إذ ظل الحكام الأقاليم نفوذهم كما كانت الحالة في الأسرة الثامنة، وظلت الدلتا مُعرضة لِمَا كان ينتابها من غزوات البدو المتكررة. ووجدت الأسرة التاسعة نفسها في حاجة إلى مؤازرة بعض حكام الأقاليم الذين يحكمون بلادهم شبه مستقلين، والذين ظلّوا يشيدون مقابرهم على مقربة من مدنهم، ويدفع الجزية من يدفعها إلى ملوك أهناسيا رمزاً لولائهم، ولكنّهم لم يعتمدوا إلّا على أنفسهم لحماية أقاليمهم وحماية أنفسهم وجمع الضرائب من اتباعهم.

ملوك الأسرة العاشرة للفراعنة:

وفي نسخة يوسيبيوس عن مانيتون نقرأ أنَّ عدد ملوك الأسرة العاشرة تسعة عشرة حكموا (185) سنة وينص على أنَّ كلا من الأسرتين حكم في أهناسيا ولكن الأبحاث الحديثة تثبت لنا أنَّ عدد ملوك الأسرة التاسعة كان أكثر من أربعة حسب ما ورد في بردية تورين وربما بلغ عددهم ثلاثة عشر شخصاً حكموا‏ أعوام ولكنّ الأسماء الكاملة من بينها عددها خمسة فقط. أما ملوك الأسرة العاشرة فقد كانوا خمسة فقط حكموا من (2052 – 2123 ق.م.)، أي (71) عاماً وأنَّ هذه الأسرة الإهناسية كانت معاصرة منذ ظهورها تقريباً لأمراء طيبة الذين دارت بينهم وبين الإهناسيين فيما بعد حروب انتهت بالقضاء على بيت أهناسيا وانفراد الأسرة الحادية عشرة الطيبية بالملك.

والحقيقة أنه لا يكاد الجزم شيئاً عن ملوك الأسرة التاسعة حتى الآن وكانت مصر في أيامهم شبيهة بما كانت عليه فى عهد الأسرة الثامنة أي ملوك ضعاف يعيشون في العاصمة لا يكاد أن يكون لهم نفوذ في الأقاليم، وأمراء أو حكام للأقاليم يستقل كل منهم بشأنه وتربط بعضهم بالبيت المالك في أهناسيا رابطة من الروابط والبعض الآخر مستقل بشأنه، أما البلاد بوجه عام فقد تفككت عراها وتأخرت فنونها وأصابها الوهن.

وكان البيت المالك يزداد تدهوراً بينما يزداد أمراء الأقاليم قوة حتى جاء اليوم الذي زال فيه حكم الأسرة، وتلتها أسرة أخرى أظهرت شيئاً من النشاط، وبدأ الظلام المخيم على تاريخ مصر ينقشع رويداً فنرى خلاله بعض أشباح تتحرك ثم نرى هذه الأشباح تتحول إلى قوى تطاحن فيما بينها، وتدخل مصر مرّة أخرى في فترة استيقاظ.

ومنذ فترة الذي استقر فيه ملوك الأسرة على العرش تكونت في منطقة طيبة عائلة كبير كان أفراده يشاهدون في نفوسهم أنهم أولى بالملك من عائلات أهناسيا ولكن الانتماء الكبير لبعض الأهالي الكبيرة الأخرى لملوك أهناسيا وبخاصة أمراء أسيوط في مصر الوسطى أي في شمالهم وبيت آخر بأرمنت إلى الجنوب منهم جعل مهمة أمراء طيبة مهمة غير يسيرة كما سنرى.

يوجد على جدران مقبرة المعلا‏ (بين الأقصر وأسنا)، نشاهد بعض الحوادث التي جرت في تلك الأيام. كان (عنخ – تيفي)، صاحب هذه المقبرة حاكماً للأقاليم الجنوبية الأساسية أي إلفنتين وإدفو وأرمنت، أي يمتد نفوذه من النوبة حتى حدود الإقليم الرابع وهو إقليم طيبة.

يفتخر (عنخ – تيفي)،‏ بسيطرته وقوة جنوده الذين كانوا يذيعون الذعر إذا خرجوا للحرب، ويتحدث عن المجاعة التي فتكت بالصعيد ولم ينج منها غير إقليمه لأنه ساعد الناس، وكان يوزع عليهم الحبوب، وحمى الضعفاء من الأقوياء حتى مرّت تلك المحنة بسلام. ونحن لا يُخالجنا شك في أنّه حدثت حرب بينه وبين أمير إقليم طيبة الذي اتحد مع من كانوا إلى الشمال منه وبخاصة بيت قفط وربما بيت دندرة أيضاً، ولكن نتيجة تلك الحرب لم تغير من الأمراء شيئاً، إذ ظل (عنخ – تيفي)،‏ حاكماً على أقاليمه الثلاثة موالياً لبيت أهناسيا.

عاش (عنخ – تيفي)، في أوائل أيام الأسرة العاشرة في عهد الملك (نفر كارع)،‏ ثاني ملوك هذه الأسرة الذي ورد اسمه في المقبرة ولكن قوة هذه العائلة لم تستمر طويلاً، ولسنا نعرف إنّ كان ذلك بسبب ازدياد قوة طيبة أو ضعف الذي خلف ذلك الرجل القوي في حكم الجنوب، وربما كان الاثنان معاً.

وجلس على عرش أهناسيا بعد (نفر كارع)، ملك حازم وهو (واج كارع)، (أختوي)، الشهير الذي خلف من بعده لابنه، تلك الوصايا التي تُلفت أضواءاً كبيرة على ذلك العصر، وهو المعروف الآن باسم أختوي الرابع لأنّنا نعرف الآن أنَّ ثلاثة ملوك يحملون هذا الاسم كانوا من بين ملوك الأسرة التاسعة حسب دراسة الترتيب الأخير لبردية تورين منذ سنوات قريبة.

بدأ هذا الملك في تنظيف الدلتا من الفوضى السائدة فيها بسبب وجود عصابات البدو التي كانت تنشر الفزع وتنهب الناس. وبعد أنّ أستتب له الأمر بعض الشيء أراد أنّ يتخلص من أمراء طيبة وحلفائهم في الجنوب فحدثت حرب بين الفريقين دارت رحاها في إقليم ثينيس (ثني)، على مقربة من أبيدوس، انتصر فيها الإهناسيون بمعاونة أمراء أسيوط ولكن الطيبين عادوا فاسترجعوا ما فقدوه تحت قيادة (واح عنخ – إنيوتف)، الذي لم يكتف باستعادة حصن ثينيس بل تقدم شمالاً حتى استولى على مدينة كوم اشقاو (أفرود يتوبوليس)، في الإقليم العاشر من أقاليم الصعيد أي إلى حدود إقليم أسيوط نفسه.‏

وفي عهد الملك الإهناسي (مريكارع)،‏ ابن أختوي الرابع زادت المتاعب إذ تولى حكم طيبة حاكم قوي وهو منتوحوتب الثاني الذي استأنف الحرب وقضى على أمراء أسيوط، ثم اندفع نحو الشمال فاستولى على الأشمونين، ولم يبق للأهناسيين إلّا القليل من مصر الوسطى ونفوذ متزعزع في الدلتا.

ومات مريكارع وخلفه على العرش أختوي آخر وهو الخامس الذي جرت في عهده حوادث قصة القروي الفصيح، ولكن هذا الملك لم يبقَ طويلاً على العرش إذ عاودت جيوش طيبة هجومها فقضت على عائلة إهناسيا وأخضعت مصر كلها وبدأت الأسرة الحادية عشرة عهداً جديداً، وعادت مصر إلى وحدتها القديمة يحكمها ملك واحد كما بدأت أيضاً الدولة الوسطى. تلك هي الخطوط الرئيسية لتاريخ ذلك العصر المظلم.


شارك المقالة: