عي الصمت أحسن من عي المنطق

اقرأ في هذا المقال


جميع الشّعوب في هذا العالم تمتلك الموروثات الثقافيّة التي تميّزها عن غيرها، وهي بدورها تعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعلّ من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، حيث يقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصليّ الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبّرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “عيّ الصّمت أحسن من عيّ المنطق” .

يمتلئ تراثنا العربي بالحكم والأمثال، والتي تضمنتها أبيات من الشعر، وبعض الأمثال ما قيل على شكل نصيحة وحكمة فتناقلها الناس بينهم، وبعض أمثال العرب كانت وليدة مواقف متفرقة، ومثل: “عيّ الصّمت أحسن من عيّ المنطق”، قد قيل في قديم الزمان، وله قصّة سأوردها في بضع سطور.

مفردات مثل: “عيّ الصّمت أحسن من عيّ المنطق”

أمّا كلمة العِيّ بالكسر فهي مصدر للفعل: “عوى”، وفي المعجم: “عَجْزٌ فِي النُّطْقِ، وَعَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ إِظْهَارِ قَصْدِهِ وَمُرَادِهِ مِنْ كَلاَمِهِ. 2. “وَجَدَ نَفْسَهُ فِي عِيٍّ” : عَدَمُ الاهْتِدَاءِ لِوَجْهِ الْمُرَادِ فِي أَمْرٍ أَوْ حَاجَةٍ“، يعني عجز في الكلام مع صمت، خير وأفضل من عي مع نطق، وهذا كما يُقال: “السكوت ستر ممدود على العي وقدام على القدامة“، وكما قال الشاعر:

“خــــــــــــــــــل جنبيك لرام       وامـــــــــــــــض عنه بســــــــــــلام
مـــــــت بداء الصمـت خـــيرًا      لك مـــــــــــــن داء الـــــــــــــــكلام
عش من الناس إن استطعت      ســــــــــــــــــــلام بــــــــــــــــــلام”.

قصة مثل: “عيّ الصّمت أحسن من عيّ المنطق”

رُوي عن ابن عون قوله: “بينما نحن جلوس عند “ربيعة بن أبي عبد الرحمن”، قال: فأخذ يتحدث، وعنده واحد من البادية، فقال له ربيعة: ما تُعدّون البلاغة فيكم؟، قال: الإيجاز في الصّواب، قال: فما تعدّون العيّ فيكم، قال: ما كنت فيه منذ اليوم.

رواية أخرى لمثل: “عيّ الصّمت أحسن من عيّ المنطق”

هذه الرواية عن المنذريّ عن الأصمعيّ، قال: حدثني واحد من شيوخ أهل العلم، حيث قال حضرت الجمعة بالضربة، وأميرها حينذاك رجل أعرابيّ، وخرج وخطب ولفّ ثيابه على رأسه وبيده قوس، فقال: “الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين ، أما بعد، فإنّ الدنيا دار بلاء والآخرة دار قرار، فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم، عند من لا تخفى عليه أسراركم، واخرجوا من الدنيا إلى ربكم قبل أن يخرج منها أبدانكم، ففيها جئتم، ولغيرها خُلقتم، أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم، والمدعوّ له الخليفة والأمير جعفر قوموا إلى صلاتكم“.


شارك المقالة: