اختلاف نية الإمام عن المأموم في الصلاة:
ويشمل اختلاف نية الإمام عن المأموم في الصلاة بعدة مسائل معينة منها ما يصلي فرضاً خلف من يُصلي فرضاً آخر، وصلاة المفترض خلف المتنفل وصلاة المتنفل خلف المفترض واختلاف نية الإمام عن المأموم في الصلاة أداءً وقضاءً وفيما يلي تفصيل كلّ وحده منها:
أولاً: من يصلِّي فرضاً خلف من يُصلّي فرضا آخر:
– تجوز صلاة من يصلي فرضاً خلف من يصلّي فرضاً آخر، كمأموم يُصلّي الظهر خلفَ إمام يُصلِّي العصر، وهو مذهب الشافعية. وهناك دليل من السنة على ذلك ومنها: “عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: إن معاذ بن جبل كان يصلّي مع رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم العِشاءَ الآخِرةَ، ثمَّ يرجِعُ إلى قَومِه، فيصلِّي بهم تلك الصَّلاةَ” رواه البخاري. كان معاذ يُصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العِشاءَ، ثم يَطلُع إلى قومِه فيصليها لهم؛ هي له تطوع، ولهم مكتوبة العشاء. وأما وجه الدلالة هو: أنه لما جازت صلاةُ المفترض خلفَ المتنفِّلِ دل على جواز اختلاف نية المأمومِ عن الإمام.
– عن أبي هريرَةَ رضي اللهُ عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتم به، فإذا كبر فكبِّروا، ولا تُكبروا حتى يُكبّر، وإذا ركَع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركعَ، وإذا قال: سمِعَ اللهُ لِمَن حمِدَه، فقولوا: اللهمَّ ربنا لك الحمدُ، وإذا سجَد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجُدَ، وإذا صلَّى قائمًا فصلُّوا قيامًا، وإذا صلَّى قاعدًا فصلُّوا قعودًا أجمعين” أخرجه البخاري. ووجه الدلالة: لم يشترط الحديث المساواةَ في النية؛ فدل أنها إذا اختلفتْ نيَّةُ الإمام والمأموم، كأن ينويَ أحدهما فرضاً، والآخر نفلًا، أو ينوي هذا عصراً، والآخر ظهراً، أنها تصح الصلاة جماعة”.
– لأنه لم يثبُت عن رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم ما يدل على وجوبِ اتحاد نيتي الإمامِ والمأموم.
– أن المأمور به هو الائتمام بالإمام فيما ظهر من أفعاله، أمّا النية فمُغيبة عنا، وما غاب عنا، فإنا لم نُكلفه.
ثانياً: صلاة المفترض خلف المتنفل:
صحُّ صلاةُ المفترضِ خلف المتنفِّل، وهو مذهب الشافعية ورواية عن أحمد والظاهرية وغيرهم. وهناك أدلة على ذلك من السّنة الكريمة وهي:
– عن جابرِ بنِ عبدِ الله: “أنَّ مُعاذَ بنَ جَبلٍ كان يصلِّي مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم العِشاءَ الآخِرةَ، ثم يرجِعُ إلى قَومِه، فيُصلِّي بهم تلك الصَّلاةَ” رواه البخاري ومسلم. وتوجد رواية أخرى وهي أنه كان مُعاذ يُصلِّي مع النبي صلى اللهُ عليه وسلم العشاء، ثم يطلُع إلى قومِه فيُصليها لهم؛ هي له تطوع ولهم مكتوبةُ العِشاءِ. رواه الشافعي في المسند.
– عن جابر رضِي اللهُ عنه، قال: “أَقبَلنا مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى إذا كنَّا بذات الرِّقاع، وذكَر الحديثَ في صلاة الخوف.. إلى أنْ قال: فنُودِي بالصَّلاة، فصلَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بطائفةٍ ركعتينِ ثم تأخَّروا، وصلَّى بالطائفةِ الأُخرى ركعتينِ، فكانتْ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أربعُ ركَعاتٍ، وللقومِ ركعتانِ” رواه البخاري ومسلم.
– وعن أبي بكرة رضِيَ اللهُ عنه، قال: “صلى النبي صلى اللهُ عليه وسلم في خوفٍ الظهرَ، فصفَّ بعضُهم خلفَه وبعضُهم بإزاءِ العدوِّ، فصلَّى بهم ركعتينِ، ثم سلَّم، فانطلَقَ الذين صلَّوْا معه فوقَفوا موقفَ أصحابِهم، ثم جاء أولئك فصَلَّوْا خلفَه فصلَّى بهم ركعتينِ، ثم سلَّم فكانتْ لرسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أربعًا، ولأصحابِه ركعتينِ ركعتينِ” أخرجه أبو داود والبزار. ووجه الدلالة: أنه لَما صلى النبي صلى الله عليه وسلم بكل طائفة ركعتينِ، فهو في إحدى الصلاتينِ متنفِّل وهم مفترضون.
ثالثاً: صلاة المتنفل خلف المفترض:
صلاةُ المتنفِّلِ خلفَ المفترضِ صحيحةٌ، وهذا باتِّفاق المذاهبِ الفقهية الأربعة: وهم الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية. وفيها أدلةٌ من السنة وهي ما يلي:
– عن أبي سعيد رضِي اللهُ عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وَحْدَه فقال: “ألا رجل يتصدق على هذا، فيُصلِّي معه” رواه أبو داود. ووجه الدلالة في ذلك هو أن الخطاب لجماعة قد صلوا فريضتهم، فصلاتهم نافلة خلف مفترض.
– عن أبي ذرٍّ، قال: قال لي رسول الله: “كيف أنتَ إذا كانتْ عليك أمراءُ يُؤخِّرون الصلاةَ عن وقتِها؟ أو يُميتون الصلاةَ عن وقتِها؟ قال: قلتُ: فما تأمُرني؟ قال: صلِّ الصلاةَ لوقتِها، فإنْ أدركْتَها معهم، فصلِّ؛ فإنَّها لك نافلةٌ” رواه مسلم.
– عن يزيد بنِ الأسود العامري، قال: “شهدتُ مع رسولِ الله صلى اللهُ عليه وسلم صلاةَ الفجرِ في مسجدِ الخيف، فلما قضى صلاتَه إذا هو برجُلينِ في آخر القومِ لم يُصلِّيَا معه، قال: علي بهما، فأُتي بهما تَرعدُ فرائضهما، فقال: ما منعكُما أنْ تُصلِّيَا معنا؟ قالَا: يا رسول الله، إنا قد صلينا في رحالنا، قال: فلا تَفعلا؛ إذا صليتُما في رِحالكما، ثم أتيتُما مسجدَ جماعةٍ فصلِّيَا معهم؛ فإنَّها لكما نافلةٌ” رواه أبو داود.
– وهناك أيضاً دليل وهو أنَّ الحاجة في حقِّ المتنفِّلِ إلى أصلِ الصلاة، وهو موجودٌ في حق الإمامِ، فيتحقق البناءُ.
– أنَّ المأمورَ به هو الائتمامُ بالإمامِ فيما ظهَر مِن أفعالِه، أمَّا النية فمُغيَّبة عنَّا، وما غاب عنَّا فإنَّا لم نُكلَّفْه.
رابعاً: اختلاف نية الإمام عن المأموم في الصلاة أداءً وقضاءً:
اختلافُ نيّة الإمام عن المأمومِ في الصلاةِ أداءً وقضاءً لا يضر، وهو مذهب الشافعية، والدليل على ذلك الأمر هو ما يلي: لأن الصلاة واحدة، لكن المُختلفُ فيها هي الوقت.
– ولأنه لا يتغيرُ نظم الصلاة باختلافِ النية.
– أنَّ المأمور به هو الائتمامُ بالإمامِ فيما ظهر مِن أفعاله، أما النية فمُغيبة عنّا، وما غاب عنا فإنا لم نُكلفه.