أركان القراءة الصحيحة في علم التجويد

حتى يعطي القارئ قراءة صحيحة في علم التجويد، لا بد له من أن يُقيم قراءته على مجموعة من الأركان، تتعلق بلفظ الكلمات بناءً على ما جاء في اللغة العربية، ثمّ لفظها بما يتوافق مع الرسم العثماني، والتحقق من صحة السند، وفيما يلي تفصيل لذلك.

موافقة قراءة القرآن الكريم لوجه من وجوه اللغة العربية

1. اختلاف أوزان الأسماء بالمثنى والجمع والمفرد، والمذكر والمؤنث، مثل ما جاء في قوله تعالى: “وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ” سورة المؤمنون 18، فكلمة (لأَمَانَاتِهِمْ) تقرأ بالجمع، وقرأ بعض القراء كلمة (لأَمَانَاتِهِمْ) بالإفراد.

2. اختلاف تصريف الأفعال حسب الضمير المُسند إليه الفعل، كالماضي والمضارع والأمر، واختلاف الإسناد إلى ضمائر المتكلم والمخاطب، والتذكير والتأنيث، كقوله تعالى: “فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا” سورة سبأ 19، جاء الفعل (باعِد) بصيغة الدعاء وعلى شكل فعل الأمر، وقد قرأه البعض بصيغة الفعل الماضي (رَبَّنَا بَاعَدَ).

3. اختلاف ضبط الكلمات التي تؤدي إلى اختلاف صور الإعراب، مثل قراءة حرف الراء مرة بالضم ومرة بالفتح في كلمة (يُضَارَّ) من قوله تعالى: “وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ”سورة البقرة 282.

4. التقديم والتأخير في لفظ بعض الكلمات المتشابه في الحروف والمختلفة بالضبط، مثل قراءة “فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ” في سورة التوبة 111، حيث تم قراءتها بالشكل التالي: “فَيُقْتَلونَ ويَقْتُلُون”.

5. إبدال وقلب بعض الكلمات بكلمات أخرى، أو حرف بآخر: مثل قراءة كلمة “نُنشِزُهَا” في قوله تعالى: “وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا” في سورة البقرة 259، مرة بحرف الراء ومرة بحرف الزاي.

6. اختلاف اللهجات في اللغة: مثل قراءة كلمة ” أتَاكَ” وكلمة “مُوسَى” بلفظ الألف بإمالتها، في قوله تعالى: “هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى” سورة النازعات 15، كما قد يكون هناك اختلافات في ترقيق الحروف وتفخيمها، أو في إدغام بعض الكلمات، بسبب اختلاف اللهجات.

موافقة قراءة القرآن الكرين للرسم العثماني

نقصد هنا بموافقة الرسم العثماني أن تتوافق القراءة مع الرسم الذي جاء بالمصحف العثماني، وهو أحد المصاحف التي تمت كتابتها في زمن الصحابي عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم تمّ إرسالها وتوزيعها على المسلمين في البلاد الإسلامية.

وتكون القراءة بالرسم العثماني، مثل قراءة كلمة “الصالحات” في قوله تعالى: “إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ” من سورة التين 6 بالألف، وإن لم تكتب بالألف (ٱلصَّٰلِحَٰتِ)؛ لأنها جاءت بالرسم العثماني مكتوبةً بالألف.

فوائد الرسم العثماني

• التنبيه إلى أنّ بعض الكلمات يمكن قراءتها على أكثر من صورة، فمن خلال الرسم تكتب الكلمة بصورة تبين إمكانية قراءتها بقراءتين مثلاً أو الأكثر، إذا كان فيها قراءتان أو أكثر.

• تمييز المعاني المختلفة بطريقة واضحة للكلمات المتشابهة، مثل قراءة كلمة أم بالقطع في قوله تعالى: “أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً” سورة النساء 109، لدلالة على أنها منقطعة أتت بمعنى بل، وقراءتها بالوصل في قوله تعالى: “أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ” سورة الملك 22، للدلالة على أنها لا تحمل معنى أم التي تعني بل.

• توضيح معنى خفي غير ظاهر، مثل قوله تعالى: “وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ” سورة الذاريات 47، حيث تم زيادة حرف الياء في كتابة كلمة أيد في (بِأَيْدٍ)، للدلالة على عظمة الخالق وقوته في الخلق، ولا مثيل له في ذلك، وهذه القاعدة تعني زيادة المبنى التي تشير إلى تفخيم المعنى وزيادته.

• بيان أصل الحركة أو الحرف مثل كتابة الضمة على صورة واو، أو كتابة الكسرة على صورة ياء، ككتابة حرف الواو بكلمة (سأوريكم) في قوله سبحانه وتعالى: “سَأورِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ” سورة الأعراف 145، إذ أن أصلها ضمة دون واو (سأُريكم)، وعن أصل الحرف فقد كتبت كلمة الصلاة على هذه الصورة (الصلوة) للتوضيح بأن الألف هنا أصلها واو، أي منقلبة عن واو.

• التأكد والتحقق من صحة لفظ كلمات القرآن الكريم، وطريقة الأداء في التجويد والترتيل، فلا يمكن معرفة ذلك على وجه اليقين من أي مصحف غير مكتوب بالرسم العثماني، بسبب اختلاف قواعد الرسم، وعدم معرفة القارئ التامة لأحكام التجويد وخاصة غير الظاهرة منها.

صحة السند

ويعتبر هذا الركن أحد الشروط التي يصح بها الركنان السابقان، وهو أن يتعلم القارئ القراءة عن شيخ ماهر، لديه القدرة على إتقان اللحن واللفظ، وأن يكون تابعاً لسند متصل برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن الأخذ من الكتب فقط وترك الاستعانة بالشيوخ والأخذ منهم؛ فهذا الأمر قد يُعجز القارئ ويُؤخره عن تحقيق الأداء الصحيح، وقد يوقعه في الخطأ الصريح الذي لا تصح به القراءة ألا وهو التحريف.