أهمية معرفة أسباب نزول آيات القرآن الكريم

اقرأ في هذا المقال


للقرآن الكريم منزلة عظيمة ومكانةٌ رفيعةٌ، ولنزول آياته أسباب ومناسبات عديدة، ولها أهمية وفوائد عظيمة، فلمعرفة أسباب نزول الآيات الكريمة وأماكن نزولها والقصص التي تكون قبل نزولها أهميةٌ عظيمة عند المسلمين؛ لأن معرفتها هي التي ينشئ المسلمون التشريعات والقوانين على أساسٍ منها، فقد كان جبريل عليه السلام ينزل بالقرآن الكريم على حسب الأحداث والمواقف التي تحدث للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه.

أهمية معرفة أسباب نزول آيات القرآن الكريم

معرفة أسباب النزول توضح معاني الآيات الكريمة، وما الحكمة من وراء هذه الآيات وتشريع الأحكام، فسبب النزول أول ما يجب على الباحث في تفسير آيات القرآن الكريم البحث عنه؛ لأنه يتعذر على الباحث معرفة معاني الآيات من غير معرفة سبب النزول، فربما آية تجدها في القرآن الكريم تعطي من ظاهرها دلالات غير المقصود فيها فعند المعرفة بأسباب نزولها يتضح معناها وتظهر حقيقتها.

فلولا أن عاد المفسر إلى أسباب النزول لتمسك المتوهمون بقولهم أن الخمر والميسر لا حرمة فيهما بل أن فيهما منافع كما في قوله تعالى: “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا” (سورة البقرة:219)، ومعناها هو أن المنافع فيهما هو لذة الخمر وأثمانها وفي الميسر فيما يكسب من القمار قبل تحريمهما.

أمثلة على أهمية معرفة أسباب نزول آيات القرآن الكريم

1- قوله تعالى: “وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَیۡنَمَا تُوَلُّوا۟ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَ ٰ⁠سِعٌ عَلِیم” (سورة البقرة:115)، إذ يفهم من هذه الآية الكريمة أنَّ الإنسان جائز له أن يوجه وجهه لأي جهة كانت لو لم تكن للقبلة  المسجد الحرام ويصلي فصلاته جائزة، هكذا يفهم القارئ أول ما يقرأ هذه الآية الكريمة، ولكن إن بحث في سبب نزولها فيعرف أنها لم تنزل لعامة الناس بل لمن له رخصة بالسفر وتختص فقط بالمسافر.

2- قوله تعالى: “إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما” (سورة البقرة:158)، في الآية الكريمة أن من سعى بين الصفا والمروة لا حرج عليه في الحج أو في العمرة، لكنها كانت ثقيلة على المسلمين لأنها كانت من عادات الجاهلية فقد كان في أول الصفا صنم وفي آخر المروى صنم وكانوا في الجاهلية يتعبدون بالسعي بينهما، فعندما نزلت هذه الآية الكريمة فهم المسلمون عند معرفة سبب نزولها أن لا جناح عليهم أن يطوفوا بها.

3- قوله تعالى: “لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” (سورة المائدة:93)، فظن البعض أنه يجوز له أن يشرب ويأكل ما شاء حتى لو كان محرماً، ولكن عند النظر في معرفة سبب نزولها يتبين معناها وما تقصد فقد روي في الصحيحين وغيرهما أن بعض الصحابة قد تساءلوا عن أصحابهم الذين ماتوا وكانوا ما زالوا يشربون الخمر -أي ما قبل نزول آية تحريم الخمر- فنزلت هذه الآية.

أقوال بعض الصحابة والتابعين والأئمة في أهمية معرفة أسباب نزول آيات القرآن الكريم

1- قول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: “والذي لا إله غيره ما من كتاب الله سورة إلا وأنا أعلم فيم أنزلت”، وقد علق الإمام الشاطبي على قوله: “وهذا يشير إلى أن علم الأسباب من العلوم التي يكون العالم بها عالماً بالقرآن”.

2-ابن سيرين قال: “سألت عبيدة عن شيء من القرآن، فقال: اتقِ الله، وعليك بالسداد، فقد ذهب الذين يعلمون فيم أنزل القرآن؟”، فهذا دليل على أن الذي علم سبب النزول يعلم تفسيرها.

3-وقال الإمام الحسن البصري: “ما أنزل الله -عز وجل- آية إلا وهو يحب أن يعلم فيم أنزلت، وما أراد بها؟”.

4- الإمام ابن تيمية قال: “ومعرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب”.

5- الإمام الواحدي قال: “إذ هي أوفى ما يجب الوقوف عليها، وأولى ما تصرف العناية إليها، لامتناع معرفة تفسير الآية، وقصد سبيلها دون الوقوف على قصتها وبين نزولها”.

6- ابن دقيق العيد قال: “بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن”.

7- وقال الإمام أبو إسحاق الشاطبي: “الجهل بأسباب التنزيل موقع في الشبه والإشكالات، ومورد للنصوص الظاهرة مورد الإجمال حتى يقع الاختلاف، وذلك مظنة وقوع النزاع”.

وفي النهاية لا يمكن الجزم في تأويل آية من كتاب أو تفسيرها دون العودة إلى معرفة سبب نزولها، حتى على المجتهد الذي يجتهد في تفسير الآيات الكريمة يجب عليه معرفة أسباب النزول ومناسبتها، ومكان نزولها وهل كانت لسؤال شخص معين، أم نزلت بسبب حادثة، وحتى لا يتم الخوض في كتاب الله بما لا يصح والعياذ بالله.


شارك المقالة: