الإعجاز الإخباري في القرآن الكريم

اقرأ في هذا المقال


أصل كلمة إعجاز :


أصل مادة “معجزة ” وهو ضدّ القدرة قال ﴿فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَابࣰا یَبۡحَثُ فِی ٱلۡأَرۡضِ لِیُرِیَهُۥ كَیۡفَ یُوَ ٰ⁠رِی سَوۡءَةَ أَخِیهِۚ قَالَ یَـٰوَیۡلَتَىٰۤ أَعَجَزۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِثۡلَ هَـٰذَا ٱلۡغُرَابِ فَأُوَ ٰ⁠رِیَ سَوۡءَةَ أَخِیۖ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِینَ﴾ [المائدة ٣١] وأعجزت فلاناً وعجَّزته وعاجزته جعلته عاجزاً ، فالقرآن كتاب الله المعجز الذي تحدَّى الله به الأولين والآخرين من الإنس والجن .

تضمن الإعجاز الإخباري أربعة أنواع :

أولها : الإخبار عن الغيب المطلق، كالخبر عن الله عزَّ وجلَّ وأسمائه وصفاته، والملائكة، وصفة الجنَّة وصفة النار .

وقد أتى القرآن في هذا الأمر بما لا يدركه بشرٌ من تلقاء نفسه، إذ طريقه لا يكون من جهة العقول، إنَّما طريقه السَّمع الذي ﴿لَّا یَأۡتِیهِ ٱلۡبَـٰطِلُ مِنۢ بَیۡنِ یَدَیۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِیلࣱ مِّنۡ حَكِیمٍ حَمِیدࣲ﴾ [فصلت ٤٢]

وثانيها : الإخبار عن الأمور السَّابقة، كالخبر عن بدء الخلق، وعن الأمم السالفة .

وقد قصَّ علينا القرآن من ذلك عجباً، وأتى من الأنباء بما لم يملك المنصفون من أهل الكتاب والعلم الّإ تصديقه، كما قال الله عزَّ وجل: ﴿أَفَغَیۡرَ ٱللَّهِ أَبۡتَغِی حَكَمࣰا وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ مُفَصَّلࣰاۚ وَٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَـٰهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ یَعۡلَمُونَ أَنَّهُۥ مُنَزَّلࣱ مِّن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِینَ﴾ [الأنعام ١١٤] فقصَّ الله سبحانه وتعالى قصَّة نوح، ثمَّ قال الله لنبيه صلَّى الله عليه وسلم ﴿تِلۡكَ مِنۡ أَنۢبَاۤءِ ٱلۡغَیۡبِ نُوحِیهَاۤ إِلَیۡكَۖ مَا كُنتَ تَعۡلَمُهَاۤ أَنتَ وَلَا قَوۡمُكَ مِن قَبۡلِ هَـٰذَاۖ فَٱصۡبِرۡۖ إِنَّ ٱلۡعَـٰقِبَةَ لِلۡمُتَّقِینَ﴾ [هود ٤٩]

وقال بعد ذكر قصَّة مريم ﴿ذَ ٰ⁠لِكَ مِنۡ أَنۢبَاۤءِ ٱلۡغَیۡبِ نُوحِیهِ إِلَیۡكَۚ وَمَا كُنتَ لَدَیۡهِمۡ إِذۡ یُلۡقُونَ أَقۡلَـٰمَهُمۡ أَیُّهُمۡ یَكۡفُلُ مَرۡیَمَ وَمَا كُنتَ لَدَیۡهِمۡ إِذۡ یَخۡتَصِمُونَ﴾ [آل عمران ٤٤]

وثالثها : الإخبار عمَّا سيكون في مستقبل الزمان، كالإخبار عن الشيء قبل وقوعه في عهد النَّبي صلى الله عليه سلم أو عما سيكون بعد ذلك.

في سورة الروم  (غُلِبَتِ ٱلرُّومُ (٢) فِیۤ أَدۡنَى ٱلۡأَرۡضِ وَهُم مِّنۢ بَعۡدِ غَلَبِهِمۡ سَیَغۡلِبُونَ (٣) فِی بِضۡعِ سِنِینَۗ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ مِن قَبۡلُ وَمِنۢ بَعۡدُۚ وَیَوۡمَىِٕذࣲ یَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ (٤) بِنَصۡرِ ٱللَّهِۚ یَنصُرُ مَن یَشَاۤءُۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ (٥) ﴾ [الروم ] كذلك ما تضمَّنه القرآن من الإخبار عن أشراط الساعة، والبعث بعد الموت، والحشر والحساب، والمصير إلى الجنة .

ورابعها : الإخبار عمَّا تكنُّه النفوس وتخفيه الضمائر، ممّا لا يمكن أن يعلمه إلَّا الله، ولا يصل إلى علمِ النبي صلى الله عليه وسلم إلَّا بوحي الله .

كما [عن سعيد بن جبير:] قُلتُ لاِبْنِ عَبّاسٍ: سُورَةُ التَّوْبَةِ، قالَ: آلتَّوْبَةِ؟ قالَ: بَلْ هي الفاضِحَةُ ما زالَتْ تَنْزِلُ، وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ حتّى ظَنُّوا أَنْ لا يَبْقى مِنّا أَحَدٌ، إلّا ذُكِرَ فِيها، قالَ: قُلتُ: سُورَةُ الأنْفالِ؟ قالَ: تِلكَ سُورَةُ بَدْرٍ قالَ: قُلتُ: فالْحَشْرُ؟ قالَ: نَزَلَتْ في بَنِي النَّضِيرِ. مسلم (٢٦١ هـ)، صحيح مسلم ٣٠٣١

وكما جاء في قوله تعالى ﴿یَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا یَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمۡ إِذۡ یُبَیِّتُونَ مَا لَا یَرۡضَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا یَعۡمَلُونَ مُحِیطًا﴾ [النساء ١٠٨]

فقد جاء عن عبدالله بن عباس: إنَّ نفَرًا من الأنصارِ غَزَوْا معَ رسولِ الله ﷺ في بعضِ غزَواتِهِ فسُرِقَتْ درع ٌلأحدِهِم فأظنُّ بِها رجلٌ من الأنصارِ فأَتِى صاحبُ الدِّرعِ رسولَ اللهِ ﷺ فقال إنَّ طُعْمَةَ بنَ أُبَيْرِقَ سرقَ دِرْعِي فلمّا رَأى السارِقُ ذلك عمِدَ إليها فألقاها في بيتِ رجلٍ بريءٍ وقال لنَفَرٍ من عشيرتِه إنِّي غيَّبْتُ الدِّرعَ وألقيتُها في بَيتِ فُلانٍ وَستوجَدُ عِندهُ فَانْطلَقُوا إِلى نَبيِّ اللهِ ﷺ ليْلًا فقالوا يا نبيَّ اللهِ إنَّ صَاحِبَنا بَريءٌ وإنَّ صاحبَ الدِّرعِ فُلانٌ وقَد أَحطْنَا بذَلكَ عِلمًا فَاعْذُرْ صَاحِبَنا عَلى رُؤوسِ النَّاسِ وجَادِلْ عَنْهُ فإنَّهُ إنْ لا يَعصِمَهُ اللهُ بِكَ يهلِكُ فقامَ رسولُ الله ﷺ فبرَّأَهُ وعذَرَهُ على رؤوسِ الناسِ فأنزلَ اللهُ {إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيمًا واسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ}… الآيةَ ثمَّ قالَ للذينَ أتَوْا رسولَ الله ﷺ مستخفِينَ بالكذِبِ {يَسْتَخْفُونَ.. الآيتين يعني الذين أتَوْا رسولَ الله ﷺ مستخفِينَ يجادِلُونَ عن الخائِنِينَ ثمَّ قالَ {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ}… الآية يعني الذينَ أَتَوْا رسولَ الله ﷺ مستخفِينَ بالكذِبِ ثمَّ قالَ {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} يعني السّارقَ والذين جادلوا عن السَّارقِ

ابن كثير (٧٧٤ هـ)، تفسير القرآن ٢/٣٥٨


شارك المقالة: