المتفق عليه بين العلماء هي القراءات السبع، وقد اختاروا العلماء من أئمة القراءة غيرهم ثلاثة قراءتهم صحيحة ومتواترة، وهم: أبو جعفر يزيد بن المدني، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي، وخلف بن هشام، وهؤلاء وأولئك هم أصحاب القراءات العشر. وما عداها فهو شاذ كقراءة: اليزيدي، والحسن والأعمش، وابن جبير، وغيرهم. ولا تخلو إحدى القراءات العشر حتى السبع المشهورة من الشواذ.
اختيار القراء السبعة:
واختيار القرَّاء السبع إنما هو للعلماء الذين جاءوا في المئة الثالثة، وإلا فقد كان الأئمة الذين وُثق في علمهم ، وكان الناس على رأس المئتين بالبصرة على قراءة ابن عمرو ويعقوب، وبالكوفة على قراءة حمزة وعاصم، وبالشام على قراءة ابن عامر، وبمكة على قراءة ابن كثير، وبالمدينة على قراءة نافع، وكان هؤلاء هم السبعة. فلما كان على رأس المائة الثالثة أثبت أبو بكر بن مجاهد اسم الكسائي، وحذف منهم اسم يعقوب.
فأول من ألف في هذا العلم منهم (اسماعيل المالكي تلميذ قالون وأحمد بن جبير ثم أبو جعفر الطبري، ويليه أبو بكر بن مجاهد، وأبو بكر الملقلب بالدجوني) ثم قام الناس في عصره وبعده بالتأليف في أنواعها جامعًا ومفردًا، وموجزًا ومسهبًا، وأئمة القراءات لا تُحصى، وقد صنف طبقاتهم حافظ الإسلام أبو عبد الله الذهبي، ثم حافظ القرَّاء أبو الخير بن الجزري”.
وأول إمام من العلماء المشهورين قام بحصرالقراءات السبع في مؤلف واحد هو أبو عبيد القاسم بن سلام، وقد قسمهم إلى 25 قارئاً، زيادة إلى هؤلاء السبعة، وتوفي سنة “224هـ” ثم قال: وكان بعده أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد أول من اختصر على قراءات هؤلاء السبعة فقط، وتوفي سنة “324هـ”وقد تم التطويل في هذه الأمور لما حاول بعض من لا علم له أن القراءات الصحيحة هي التي عن هؤلاء السبعة، بل غلب على كثير من العوام أن القراءات الصحيحة هي التي في الشاطبية والتيسير”.
والسبب في حصرهم على هذا العدد مع وجود الكثير من القراء هو أعلم منهم، أو مثلهم عددهم أكثر من سبعة، هو أن الرواة عن الأئمة كانوا كثيرًا جدًّا فلما تقاصرت الهمم اقتصروا مما يوافق خط المصحف على ما يسهل حفظه وتنضبط القراءة به، فنظروا إلى من اشتهر بالثقة والأمانة، وطول العمر في ملازمة القراءة والاتفاق على الأخذ عنه فأفردوا من كل مصر إمامًا واحدًا. ولم يتركوا مع ذلك نقل ما كان عليه الأئمة غير هؤلاء من القراءات ولا القراءة بها، كقراءة يعقوب الحضرمي، وأبي جعفر المدني، وشيبة بن نصاع، وغيرهم.
وقد جاء من كتب في القراءات في الاقتصار على هذا العدد، لأنهم إذ يؤلفون مختصرين على عدد مخصوص من أئمة اَلْقُرَّاء يكون ذلك من أسباب التي اشتهروا بها وإن كان غيرهم أَجْل منهم قدرًا، فيتوهم الناس بعد أن هؤلاء الذين اقتصر التأليف على قراءاتهم هم الأئمة المعتبرون في القراءات. وقد صنف ابن جبر المكي كتابًا في القراءات فاقتصر على خمسة، اختار من كل مصر إمامًا، وإنما اقتصر على ذلك لأن المصاحف التي أرسلها عثمان كانت خمسة إلى هذه الأمصار.
فقد أرسلوا المصاحف السبعة ، منها هذه التي عددها خمسة، ومصحفًا إلى البحرين واليمن، ولم لكن لهذين المصحفين شهرة، والسبب أنه ابن مجاهد وغيره أرادوا للحفاظ على عدد المصاحف واستبدلوا من مصحف البحرين ومصحف اليمن قارئين كمل بهما العدد؛ ولذا قال العلماء: إن التمسك بقراءة سبعة من القرَّاء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سُنَّة. وإنما هو من جمع بعض المتأخرين فانتشر، فلو أن ابن مجاهد مثلًا كتب عن غير هؤلاء السبعة بالإضافة إليهم لاشتهروا.
وهذه المصاحف السبعة ليست محددة للجواز حتى لا يجوز غيرها، مثل قراءة شيبة والأعمش وغيرهم، فإن هؤلاء مثلهم أو فوقهم” وكذا قال غير واحد من أئمة القراء، وقال أبو حيان: “ليس في كتاب ابن مجاهد ومن تبعه من القراءات المشهورة إلا النزر اليسير، فهذا أبو عمرو بن العلاء اشتهر عنه سبعة عشر راويًا، ثم ساق أسماءهم، واقتصر في كتاب ابن مجاهد على اليزيدي واشتهر عن اليزيدي عشرة أنفس. فكيف يقتصر على السوسي والدوري، وليس لهما مزية على غيرهما، لأن الجميع مشتركون في الضبط والإتقان والاشتراك في الأخذ. قال: ولا أعرف لهذا سببًا إلا ما قضى من نقص العلم.