اقرأ في هذا المقال
- الفرق بين جمع القرآن في عهد أبي بكر وجمعه في زمن عثمان
- عدد المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الآفاق
- شُبَه مردودة
الفرق بين جمع القرآن في عهد أبي بكر وجمعه في زمن عثمان:
جمع النصوص القرآنية في زمن أبي بكر يختلف اختلافاً كلياً عن جمعه في زمن عثمان من حيث الباعث والكيفية. فالباعث لدى أبي بكر -رضي الله عنه– لجمع القرآن خشية ذهابه بذهاب حملته، حين استحر القتل بالقرَّاء، والباعث لدى عثمان -رضي الله عنه- كثرة الاختلاف في وجوه القراءة، حين شاهد هذا الاختلاف في الأمصار وخطَّأ بعضهم بعضًا.
أما جمع القرآن في عهد أبي بكر للقرآن كان عبارة عن نقل للمفرق ، وجمعًا له في مصحف واحد ضمن سياق الآيات والسور. مع الاختصار على ما لم تُنسخ تلاوته، مشتملًا على الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، وجمع عثمان للقرآن كان نسخًا له على حرف واحد من الحروف السبعة، حتى يجمع المسلمين على مصحف واحد. وحرف واحد يقرءون به دون ما عداه من الأحرف الستة الأخرى. قال ابن التين وغيره: “الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان، أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته، لأنه لم يكن مجموعًا في موضع واحد.
فكان جمعه في عدة صُحف، وكان مرتب لآيات سوره على ما تركهم عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وجمعه سيدنا عثمان رضي الله عنه،بسبب زيادة الاختلاف في القراءات حتى قرأوه بلغاتهم على اتساع اللغات فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعضه فخشى من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبًا لسوره، واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش، محتجًّا بأنه نزل بلغتهم، وإن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم رفعًا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر، فرأى أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت، فاقتصر على لغة واحدة” وقال الحارث المحاسبي: “المشهور عند الناس أن جامع القرآن عثمان.
وقد تم إلزام الناس بقراءة القرآن بوجة واحد، حسب اختيار وقع بينه وبين من شهده من كبار الصحابة، لما خشي الفتنة عند وجود اختلاف أهل البلاد في حروف القراءات، فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أُنزل بها القرآن فأما السابق إلى جمع الجملة فهو الصديق”، وبهذا قطع عثمان دابر الفتنة، وحسم مادة الخلاف، وحصَّن القرآن من أن يتطرق إليه شيء من الزيادة والتحريف على مر العصور وتعاقب الأزمان.
عدد المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الآفاق:
- قال جماعة: كان عدد المصاحف سبعة نسخ من المصحف، وتم إرسالها، لمكة المكرمة، وبلاد الشام, والبصرة، والكوفة، والبحرين، ومدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واليمن، وتم كتابة سبعة مصاحف، فتم إرسال إلى الشام، ومنها إلى مكة المكرمة، إلى اليمن، وإلى البحرين، وإلى البصرة، وإلى الكوفة، وحبس بالمدينة واحدًا. ب- وقيل: كان عددها أربعة، العراقي، والشامي، والمصري، والمصحف الإمام، أو الكوفي، والبصري، والشامي، والمصحف الإمام. قال أبو عمرو الداني في المقنع1: “أكثر العلماء على أن عثمان لما كتب المصاحف جعلها أربع نسخ، وبعث إلى كل ناحية واحدة: الكوفة، والبصرة، والشام، وترك واحدًا عنده”.
- وقيل: كان عددها خمسة، وذهب السيوطي إلى أن هذا هو المشهور، أما الصحف التي تم إرجاعها إلى السيدة حفصة فقد بقيت عندها حتى ماتت. ثم غُسلت غسلًا، وقيل أخذها مروان بن الحكم وأحرقها، والمصاحف التي كتبها عثمان لا يكاد يوجد منها مصحف واحد اليوم.
والذي يُرْوَى عن ابن كثير في كتابه “فضائل القرآن” أنه رأى واحدًا منها بجامع دمشق بالشام، في رق يظنه من جلود الإبل، ويُرْوَى أن هذا المصحف الشامي نُقِلَ إلى إنجلترا بعد أن ظل في حوزة قياصرة الروس في دار الكتب في لينينجراد فترة، وقيل إنه احترق في مسجد دمشق سنة. 131 هجرية.
وجمع عثمان للقرآن هو المسمى بالجمع الثالث، وكان سنة 25 هجرية.
شُبَه مردودة:
يحاول أعداء الدين، إثارة شُبَه، والهدف توهين الثقة بالقرآن، والتشكيك في دقة جمعه، ونحن نورد أهمها ونرد عليها: قالوا: إن الآثار قد دلت على أن القرآن قد سقط منه شيء لم يُكتب في المصاحف التي بأيدينا اليوم، ويستدلون بحديث عن عائشة قالت: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلًا يقرأ في المسجد فقال: “يرحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية من سورة كذا” ، وفي رواية: “أسقطتهن من آية كذا وكذا” ، وفي رواية: “كنت أنسيتها”.
والجواب عن مثل هذه الشُبهة، بأن تذكير الرسول -صلى الله عليه وسلم- بآية أو آيات قد أنسيها أو أسقطها نسيانًا لا يشكك في جمع القرآن، فإن الرواية التي جاء فيها التعبير بالإسقاط تفسرها الرواية الأخرى: “كنت أنسيتها” وهذا يدل على أن المراد بإسقاطها نسيانها، كما يدل عليه لفظ “أذكرني” والنسيان جائز على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما لا يخل بالتبليغ.
وكانت هذه الآيات قد حفظها رسول الله، واستكتبها كتاب الوحي، وحفظها الصحابة في صدورهم، وبلغ حفظها وكتابتها مبلغ التواتر فنسيان الرسول –صلى الله عليه وسلم- لها بعد ذلك لا يؤثر في دقة جمع القرآن, وهذا هو غاية ما يدل عليه الحديث. ولذا كانت قراءة هذا الرجل -وهو أحد الحفظة الذين يبلغ عددهم حد التواتر- مذكرة لرسول الله, صلى الله عليه وسلم: “لقد أذكرني كذا وكذا آية” .
- ومن الشُبه التي آثاروها، قوله تعالى : في سورة الأعلى: {﴿سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰۤ ٦ إِلَّا مَا شَاۤءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ یَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا یَخۡفَىٰ ٧ وَنُیَسِّرُكَ لِلۡیُسۡرَىٰ ٨﴾ [الأعلى ٦-٨] صدق الله العظيم، والاستثناء يدل على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نسي بعض الآيات.
والجواب عن مثل هذه الشُبهة، أن الله تعالى قد وعد نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، بحفظ القرآن، وتمكنه منه ، فقال تعالى: ﴿إِنَّ عَلَیۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ﴾ صدق الله العظيم، [القيامة ١٧]وأمَّنه من النسيان في قوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} صدق الله العظيم،ولما كانت الآية توهم لزوم ذلك، والله تعالى فاعل مختار: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} 1, جاء الاستثناء {إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} للدلالة على أن هذا الإخبار بإقراء الرسول القرآن وتأمينه من النسيان ليس خارجًا عن إرادته تعالى، فإنه سبحانه لا يعجزه شيء.
ومن الردود على هذه الشبهة: أن الآية جاء في تفسيرها: أن الله لما وعد نبيه على وجه التأبيد واللزوم، توهم البعض، أن قدرة الله لا تتجاوز غيره، وأن ذلك خارج عن إرادته جل شأنه.
- كذلك من الشبهات التي أثاروها: قالوا: إن في القرآن ما ليس منه، واستدلوا على ذلك بما رُوِيَ من أن ابن مسعود أنكر أن المعوذتين من القرآن، وكذلك : يُجاب عن ذلك بأن ما نُقِلَ عن ابن مسعود -رضي الله عنه- لم يصح، وهو مخالف لإجماع الأمة، قال النووي في شرح المهذب: “وأجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد شيئًا منها كفر، وما نُقِلَ عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح”، وقال ابن حزم: “هذا كذب على ابن مسعود وموضوع”، وعلى فرض صحته، فالذي يُحتمل: أن ابن مسعود لم يسمع المعوذتين من النبي -صلى الله عليه وسلم- فتوقف في أمرهما.
وإنكاره رضي الله عنه لا يُعارض إجماع الأمة على أن المعوذتين من السور المتواترة، ومثل هذا يُجاب به على ما قيل من أن مصحف ابن مسعود قد أسقطت منه الفاتحة، فإن الفاتحة هي أم القرآن، ولا تخفى قرآنيتها على أحد.
- وكذلك من الشُبة التي تم إثارتها، وقد زعم جماعة من غلاة الشيعة أن سيدنا أبا بكر، وسيدنا عمر الفاروق، ومعهما سيدنا عثمان، قد حرَّفوا القرآن، وأسقطوا بعض آياته وسوره، فحرفوا في قوله تعالى: : ﴿وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّتِی نَقَضَتۡ غَزۡلَهَا مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٍ أَنكَـٰثࣰا تَتَّخِذُونَ أَیۡمَـٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَیۡنَكُمۡ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِیَ أَرۡبَىٰ مِنۡ أُمَّةٍۚ إِنَّمَا یَبۡلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِۦۚ وَلَیُبَیِّنَنَّ لَكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ مَا كُنتُمۡ فِیهِ تَخۡتَلِفُونَ﴾ صدق الله العظيم[النحل ٩٢] فحرفوا (أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِیَ أَرۡبَىٰ مِنۡ أُمَّةٍۚ) والأصل: “أئمة هي أزكى من أئمتكم”، كذلك زعموا: أنهم أسقطوا من سورة “الأحزاب” آيات فضائل أهل البيت وقد كانت في طولها مثل سورة “الأنعام”، وأسقطوا سورة الولاية بتمامها من القرآن.
والجواب عن مثل هذه الشُبهة : مثل هذه الأقوال هي أباطيل لا سند صحيح ، وهي دعاوي لا يوجد عليها بيِّنة ، والكلام فيها حمق وسفاهة، وقد تبرأ بعض علماء الشيعة من هذا السخف، والمنقول عن علي -رضي الله عنه- الذي يدَّعون التشيع له، يناقضه، ويدل على انعقاد الإجماع بتواتر القرآن الذي بين دفتي المصحف، فقد أُثِرَ عنه أنه قال في جمع أبي بكر: “أعظم الناس أجرًا في المصاحف أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر، هو أول من جمع كتاب الله”، وقال في جمع عثمان: “يا معشر الناس، اتقوا الله، وإياكم والغلو في عثمان وقولكم: حرَّاق مصاحف، فوالله ما حرقها إلا عن ملأ منا أصحاب رسول الله, صلى الله عليه وسلم”، وقال: “لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل عثمان”.
فهذا الذي أُثِرَ عن علي نفسه يقطع السٌّنَّة أولئك المفترين الذين يزعمون نُصرته فيهرفون بما لا يعرفون تشيعًا له، وهو منهم براء.