يشمل الفقه الإسلامي أحكاماً تشريعة تُطبّق على جميع الموضوعات الفقهية، ومستمدّة من نصوص شرعية محكمة وثابتة، ووُضعت قواعد فقهية للمحافظة على انضباط هذه الأحكام وحفظها، ومنها القواعد الفقهية العامة والتي لا تختص بموضوع معيّن، وإنّما تدخل في جميع الموضوعات الفقهية، تهدف لضبط الأحكام والفهم الكامل للموضوعات الفقهية، وتُعرف بالقواعد الخمس الكُبرى.
القواعد الفقهية العامة لتنظيم المعاملات المالية:
قاعدة الأمور بمقاصدها:
تهيمن هذه القاعدة على الأحكام الفرعية، وتعتبر القاعدة الأساس لقواعد الفقه العامة، وتعتمد على الأحكام التي تقيس المقاصد والنيات من الأعمال والمعاملات، وتعتبر النية أصل العمل وقوامه، فهو يتبعها ويعتمد عليها بالصحة أو الفساد، فالنية تُظهر لنا الفرق بين العادات والعبادات، فحُكم الأعمال والأقوال يترتّب على مقاصد فاعليها وأهدافهم، وقد تكون النيات سبباً في صحة معاملات مالية أو بطلانها.
قاعدة اليقين لا يزول بالشك:
وهذه القاعدة تعني أنّ الشيء إذا عُلم وثبت باليقين، فإنّ ثبوته لا يتأثّر إذا وُجد الشك، والأمر الثابت المتيقّن منه لا يرتفع إلّا بالثابت اليقين، والأصل بقاء ما تمّ التحقق منه، ويبقى الأمر على ما بُني عليه.
قاعدة لا ضرر ولا ضرار:
تدخل هذه القاعدة في قائمة القواعد الكُبرى التي تشمل ضبط جميع أبواب الفقه الإسلامي، وتسيطر على كثير من الموضوعات الفقهية، وتهدف لضبط الكثير من الأحكام الفقهية، وهي التطبيق العملي لرحمة الله تعالى بعباده، وإثبات الهدف الأساسي للشريعة الإسلامية وهو حرصها على مصالح الناس وإعانتهم على الاستمرار في الحياة.
والمقصود من هذه القاعدة دفع الأضرار والمخاطر قبل الوقوع بها، والوقاية من الضرر قبل وقوعه بقدر الإمكان، والعمل على إزالته بعد وقوعه، وقد يُسمح بوقوع ضرر خاص لدفع ضرر عام، أو وقوع الضرر البسيط مقابل رفع ضرر أكبر منه. وفي المعاملات المالية وبناءً على هذه القاعدة، يجب مراعاة عدم الإضرار بالآخرين، وموافقة المصالح العامة، عند القيام بأي مشروع تمويلي اقتصادي أو استثماري.
قاعدة المشقّة تجلب التيسير:
الدين الإسلامي دين يُسر وتسامح، أمر لا يختلف عليه اثنان سوى الجاهل، فنزلت الأحكام الإسلامية بسهولة ويُسر، ودون حرج أو مشقة عى الناس، بكل ما فيها من أوامر ونواهٍ، وواجبات وفروض ومستحبّات، ومباحات ومحرّمات، وفي الأحكام الإسلامية ما يرفع المشقة ويُلبّي الأعذار، فإن حصلت المشقّة وسبّبت ضيقاً وحرجاً، كان في الأحكام الإسلامية رخص شرعية وتخفيفات، تفرّج الضيق وترفع العسر وتجعل الصعب سهلاً.
وبذلك تدخل الأحكام الإسلامية في معاملات الناس وأعمالهم، تحت مضمون القاعدة الفقهية العامة، التي تنص على “المشقّة تجلب التيسير”، والتي تُمنح عليها الرخص الشرعية والتخفيفات في الأحكام.
وللتذكير فإنه ليس بالضرورة أن كل الأمور الصعبة تكون سبباً في التسهيل والتيسير، والمشقّة المقصودة هنا ما كانت فوق العادة، وتتجاوز طاقة الإنسان وتحمّلاته، كالمرض الذي يعفو صاحبه من الصيام والصلاة، ومن الأمثلة على المعاملات المالية التي تتفرّع من هذه القاعدة جواز فسخ عقد الإجارة بسبب السفر.
قاعدة العادة محكّمة:
وتعني هذه العادة أن الأمور التي اعتاد الناس عليها، وأصبحت متعارف عليها في الأعمال والمعاملات، قد تكون الحُكم المتسلّط في الأمور التي لا نصّ فيها ولا قيد شرعي بها، بشرط عدم مخالفتها لأي نص شرعي أو قاعدة فقهية شرعية حكمها ثابت.
فالرجوع للعادات يكون في الأمور التي لم يتم ضبطها من الشرع، وتُركت لعادات الناس، فيما يحقق التيسير والتسهيل عليهم، وبعض الأفعال التي لم يترتّب عليها أحكام شرعية، وأيضاً في أمور مخصّصة فيما يتعلّق بالمكاييل والموازين. وتُشير هذه القاعدة إلى أهمية العادات والأعراف في الشريعة الإسلامية، حيث يمكن الاعتماد عليها في حفظ حقوق الناس، وإلزامهم بقيود محدّدة في كافة المعاملات التي لم يرد فيه حكم ثابت.