المناسبة بين نهاية السورة وابتداء السورة التي تأتي بعدها

اقرأ في هذا المقال


وكما أنَّ آيات القرآن الحكيم جاء ترتيبها توقيفياً، فكذلك ترتيب السور جاء توقيفياً كذلك، فنحن نقرأ القرآن الآن على الترتيب نفسه الذي كان يقرؤه الرسول صلى الله عليه وسلم.

ونقرأ فيما دبَّجه علماؤنا الأفذاذ، فنراهم أبدعوا بتبيان المناسبة بين كل سورة من سور القرآن والسورة التي جاءت بعدها، وقد ذكر شيئاً من ذلك علماؤنا السابقون، وكذلك في العصر الحديث.

أمثلة على المناسبات بين السور.

  • قال الشيخ الموصلي في تبيان الربط بين نهاية سورة الحج وابتداء (سورة المؤمنون )

لمّا ذكر في (سورة الحج) الإذن في القتال، افتتح هذه السورة (المؤمنون) بالشروط التي يتوقف عليها نصرهم وفلاحهم، وقد اقتضى هذا لذكر بعض الرُّسل السّابقين الذي نصرهم على أعدائهم ونالوا النجاح والفلاح.

  • وقال الدكتور فاضل صلاح السامرائي في الرَّبط بين نهاية سورة المائدة وابتداء سورة الأنعام قال الله تعالى ﴿لِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا فِیهِنَّۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرُۢ﴾ [المائدة ١٢٠]

وقال في ابتداء سورة الأنعام ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَۖ ثُمَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمۡ یَعۡدِلُونَ﴾ [الأنعام ١]

فذكر في خاتمة المائدة أنَّ الله له ملك السموات والأرض وما فيهنّ، وقال في بداية الأنعام :إنّه سبحانه خلق السموات والأرض فهو الخالق والمالك.

  • ذكر في خواتيم المائدة قسماً ممّن عَدَل عن العبادة واتخذ من دونه معبوداً فقال : ﴿وَإِذۡ قَالَ ٱللَّهُ یَـٰعِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِی وَأُمِّیَ إِلَـٰهَیۡنِ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ ﴾ [المائدة ١١٦]

وذكر في بداية سورة الأنعام من عَدل عن عبادته ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَۖ ثُمَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمۡ یَعۡدِلُونَ﴾ [الأنعام ١]  فناسب خواتيم المائدة مفتتح سورة الأنعام، وهكذا ترى قدرة الله المطلقة فهو على كل شي قدير في نهاية سورة المائدة وناسبها افتتاح سورة الأنعام التي جاءت بعدها بالحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور.

  • صلة آخر سورة النحل بأول سورة الإسراء قال تعالى في خاتمة سورة النحل ﴿إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوا۟ وَّٱلَّذِینَ هُم مُّحۡسِنُونَ﴾ [النحل ١٢٨]  وقال في ابتداء سورة الإسراء ﴿سُبۡحَـٰنَ ٱلَّذِیۤ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَیۡلࣰا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِی بَـٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِیَهُۥ مِنۡ ءَایَـٰتِنَاۤۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ﴾ [الإسراء ١] تبدو لنا معيّة الله واضحة مع الذين اتقوا  وأعلى المعيّة أن يقرِّب الله المحسنين منه، والله تعالى يسمع هؤلاء ويبصرهم ؛لأنّه معهم، وهذا مناسب لقوله تعالى في ابتداء سورة الإسراء (إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ).

قال أبو حيان في تفسيره البحر المحيط : ومناسبة أول هذه السورة – يعني الإسراء –  لآخر ما قبلها : أنّه تعالى لمّا أمره بالصبر، ونهاه عن الحزن عليهم، وأن يضيق صدره من مكرهم، وكان من مكرهم نسبته إلى السّحر والكذب والشعر وغيره ذلك ممّا رموه أعقب تعالى ذلك بذكرشرفه وفضّله واحتفائة به وعلُّو منزلته عنده) .


شارك المقالة: