وصل النبي إلى المدينة المنورة في يوم الجمعة، الثاني عشر من ربيع الأول ، ونزل عليه السلام في بيت أبي أيوب الأنصاري، وعندها كانت بداية عهد إسلامي جديد ، وكان لا بدّ من البدء بخطواتِ بناءِ هذه الدولةِ الأسلامية الجديدة ، فتأسَّست الدولة بدءاً بعدَّة خطوات ، فأولها كان بناء المسجد النبوي الشريف.
بناء المسجد النبوي
كان أولى خطوات بناء هذه الدولة هو بناء المسجد النبوي ، فكانت ناقة النبي هي من اختارت موضع مكان بناء المسجد ، حيث أنَّ المكان كان ملكاً لغلامين يتيمين ، فاشتراه النبي منهم، وكان عليه الصلاة والسلام من الذين ساهموا في بناء المسجد ، حيثُ كان يساعدُ بنقل الحجارة ويقول:
(( اللهم لا عيش إلّا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجره ))
وكان مكان بناء المسجد هو مكان قبور للمشركين ، وكان يوجد في ذلك المكان نخلٌ وشجرةٌ من الغرقدِ وخربٌ أيضاً، فأمر رسول الله بنبش قبورالمشركين فنبشت ، وأمر بتسويت الخرب ، وقطع الشجر والنخل ، وكانت قبلة الصلاة إلى بيت المقدس ، وجعل عضادة المسجد من الحجارة ، وأقيمت حيطان المسجد من الطين واللبن، وكان جريد النخل هو سقف المسجد ، وغمده الجذوع ، والرِّمال والحصباء كانت فرشاً للمسجد ، وله ثلاثة أبواب ، وطول المسجد ممَّا يلي القبلة إلى أخرمؤخره مئة ذراع ، والجانبان مثل ذلك، وكان أساسه قريبا من ثلاثة أذرع .
وبنيت حُجرات زوجات النبي إلى جانب المسجد ، فكان بناء الحجرات من الحجر واللبن ، وسقفها من الجريد والجذوع ، وعند اكتمال بناء الحجرات انتقل النبي من بيت أبي أيوب إلى الحجرات .
وكان المسجد هو أهم عامود من أعمدة بناء الدولة ، حتى أنَّه لم يكن مكاناً لأداء فرائض الصلوات فقط ، بل كان تجمعاً للمسلمين يَتَلقون فيهِ تعاليم الدينِ وتوجيهاته ، ومُلتقاً يتجمعون فيه حيث تتآلف فيه القلوب التي تُبعِدُ الناسَ عن العنصرية ِالقبليةِ المختلفة التي كانت تسبب الحروب الجاهلية بين أهلها.
والمسجد هو قاعدة لإدارة جميع شؤون الدولة الإسلامية ، وتجمعاً لعقدِ الجلسات الاستشارية والتنفيذية التي تتبناها الدولة .ومع هذا كلِّهِ كان المسجد بيت يأوي إليه كثير من اللاجئين الذين لم يملكوا بيتاً ولا مالاً ولا حتى أهلاً.
بدء الأذان
بعد أن أوجب الله الصلاة على المؤمنين ؛ ليكونوا دائماً يتذكرون عظمة الله عزَّ وجل، فيتّبعوا أوامره ويتجنبوا كل ما نهى عنه ، فقال عز وجل في سورة العنكبوت: ( وأقم الصلاة إنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر).
وجعل أفضل صلاةٍ هي صلاة الجماعة ، لما لها من دورٍ كبيرٍ في توحيدِ قلوبِ المسلمينَ وتقويةِ روابطِ المحبَّةِ والألفةِ بينهم ، وكان الأذان هو رابط أجتماعهم وأقامة فرضهم،
وفي بدايات الهجرة شُرِعَ الأذانُ، الصوت الذي يلوح في الآفاق ، والذي يدعوا لتوحيد الله ، والإيمان برسالة سيدنا محمد ، وحثِّ الناسِ على إقامة الصلاة ، لتكون سبيل فلاحهم في الدنيا والآخرة.
فكان كلُ يومٍ خمسَ مراتٍ ينادى بالأذان الذي ترتاح له الصدور، ويطرب بها السَّامع، فكانت تكبيراته نداء لاجتماع المسلمين للصلاة بين يدي الله والخضوع والخشوع والسجود له عزَّ وجلَّ.