تاريخ علوم القرآن وظهور اصطلاحه .

اقرأ في هذا المقال


عهد ما قبل التدوين .

كانَ الرَّسولُ محمد صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وأصحابِه يعرِفونَ عَن القرآنِ وعلومِهِ، ما عرَفَ العلماءُ وفوقَ ما عرَف العلماءُ مِن بعدِ، ولكنَّ معارِفَهُم لم توضَع عَلى ذلكَ العهدِ كفنونٍ مدوَّنةٍ، ولم تجمع في كتبٍ مؤلفة، لأنَّهم لمَ يكن لهم حاجةٌ إلى التدوين والتأليف آنَ ذاك .

أمّا الرسول صلى الله عليه وسلم فلأنه كان يتلقَّى الوحي عن الله وحده والله تعالى كتبَ على نفسه الرَّحمة، ليجمعنَّه له في صدره، وليطلقنَّ لسانه بقراءته وترتيله، وليمِطنَ له اللِّثام عن معانيه وأسراره ، قال تعالى ﴿لَا تُحَرِّكۡ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعۡجَلَ بِهِۦۤ (١٦) إِنَّ عَلَیۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ (١٧) فَإِذَا قَرَأۡنَـٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَیۡنَا بَیَانَهُۥ (١٩)﴾  [القيامة ١٦-١٩] ثمَّ بلغَ الرسول ما أنزل عليه لأصحابه ، وقرأة على مكثٍ –أي على مهل وتؤدِّه ، ليحسنوا أخذه، ويحفظوا لفظه، ويفهموا سرَّه ، ثمَّ شرح الرسول لهم القرآن بقوله، وبعمله، وتقريره، وبُخلقه، وتقرايراته، وصفاته، مصداقاَ لقوله تعالى ﴿بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَٱلزُّبُرِۗ وَأَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَیِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَیۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ یَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل ٤٤] ولكِنَّ الصَّحابَة وقتئذٍ كانوا عرَباً خُلصاً، متمتِّعين بجميعِ خصائصِ العروبةِ ومزاياها الكامِلةِ من قوَّةِ في الحافِظَةِ، وذكاءٌ في القريحةِ، وتذوُّقٌ في البيانِ وتقديراً للأساليب، ووزنٌ لما يسمعون بأدقِّ التعابير، حتَّى أدركوا من علوم القرآن ومن إعجازه بسليقتِهم وصفاءِ فطرَتِهم، ما لا نستطيعُ نحنُ أن ندرِكَهُ مع زَحْمةِ العلومِ وكثرةِ الفنونِ.

وكان الصَّحابة رضوان الله عليهم مع هذه الخصائص أميين، وأدوات الكتابة لم تكن ميسورةً لديهم ، والرسول نهاهم أن يكتبوا عنه شيئاً غير القرآن وقال لهم أوَّل العهد بنزول القرآن فيما رواه مسلم في صحيحه  [عن أبي سعيد الخدري:] لا تكتبوا عني شيئًا إلا القرآنَ، فمَن كتبَ عنِّي غيرَ القرآنِ فلْيمحه، وحدِّثوا عني ولا حَرَجَ، ومن كذبَ عليَّ متعمِّدًا، فلْيَتَبوَّأ مقعدَهُ من النَّارِ” وذلكَ مخافَةَ أنْ يلتَبِسَ القرآنَ بغيرهِ، أو يختَلِطَ بالقرآنَ ما ليسَ مِنهُ، ما دامَ الوحي نازلاً وتلكَ الأسبابُ الذي منعَ الصَّحابةَ من تدوينِ علومِ القرآنِ .

ومضى الرَّعيل الأولُ على ذلكَ في عهدِ الشيخينِ أبي بكرٍ وعمَر .


شارك المقالة: