ترتيب الآيات والسور في القرآن الكريم

اقرأ في هذا المقال


ترتيب الآيات والسور في القرآن الكريم:

من المعروف أن كتاب الله تعالى فيه من سور والآيات فهناك السور الطويلة، والسور القصيرة، وقد عرف العلماء الآية: أنها الجملة من كلام رب العالمين المندرجة في سورة من القرآن، والسورة: هي الجملة من آيات القرآن ذات المطلع والمقطع.
وترتيب الآيات في القرآن الكريم توقيفي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحكى بعضهم الإجماع على ذلك: منهم: الزركشي في “البرهان”، وأبو جعفر بن الزبير في “مناسباته” إذ يقول: “ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه -صلى الله عليه وسلم- وأمره من غير خلاف بين المسلمين”وجزم السيوطي بذلك فقال: “الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي لا شبهة في ذلك” فقد كان جبريل يتنزل بالآيات على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويرشده إلى موضعها من السورة أو الآيات التي نزلت قبل.

يعلم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كتاب الوحي بموضعها وكان يخبرهم في كتابة الآية في المكان المناسب لها، ومن الآيات في السورة التي تكلمت عن الموضوع والحكم، كما بلَّغها أصحابه كذلك، وقد جاء عن عن عثمان بن أبي العاص قال: “كنت جالسًا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ شَخَصَ ببصره ثم صوَّبه، ثم قال: أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضع من هذه السورة:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} .. إلى آخرها”.

وإن كانت منسوخة الحكم، لا يقوم بتغيرها، وهذا دليل على أن كتابتها بهذا الترتيب توقيفية، وجاء عن ابن الزبير قال: “قلت لعثمان بن عفان رضي الله عنه، قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} , قد نسختها الآية الآخرى، فلم تكتبها أو تدعها؟1 قال: “يابن أخي، لا أُغَيِّر شيئًا من مكانه”، وجاءت الأحاديث الدالة على فضل آيات من سور بعينها، ويستلزم هذا أن يكون ترتيبها توقيفيًّا. إذ لو جاز تغييرها لما صدقت عليها الأحاديث، عن أبي الدرداء مرفوعًا: “من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصِمَ من الدجال” وفي لفظ: “من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف…”.

وقد دلت الأحاديث على آية بعينها في موضعها، عن سيدنا الفاروق قال: ما سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة، حتى طعن بأصبعه في صدري وقال: “تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء” ، وثبت في الصحيح قراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعدة سور، جاء ترتيب آياتها صلاها النبي صلى الله عليه وسلم، مثل سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، وورد في بعض الروايات الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ “سورة الأعراف” في صلاة المغرب، وأنه كان يقرأ في صبح الجمعة: {الم، تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ} “السجدة”، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} “الدهر” وكان يقرأ سورة “ق” في الخطبة، ويقرأ “الجمعة”و”المنافقون” في صلاة الجمعة.

وكان سيدنا جبريل عليه السلام، يقوم بعرض كتاب الله تعالى، في كل عام مرة في رمضان، على النبي صلى الله عليه وسلم، وعارضه في العام الأخير من حياته مرتين، وكان ذلك العرض على الترتيب المعروف الآن، وبهذا يكون ترتيب آيات القرآن كما هو في المصحف المتداول في أيدينا توقيفيًّا، لا مراء في ذلك، قال السيوطي بعد أن ذكر أحاديث السور المخصوصة: “تدل قراءته -صلى الله عليه وسلم- لها بمشهد من الصحابة على أن ترتيب آياتها توقيفي وما كان الصحابة ليرتبوا ترتيبًا سمعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ على خلافه، فبلغ ذلك مبلغ التواتر”.

اختلاف العلماء في ترتيب السور:

اختلف العلماء في ترتيب السورإلى عدة أقوال :

  • قال جماعة من العلماء: أنه جاء توقيفي من عند الله تعالى، فكان القرآن على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- مرتب السور، كما كان مرتب الآيات على هذا الترتيب الذي لدينا اليوم، وهو ترتيب مصحف عثمان الذي لم يتنازع أحد من الصحابة فيه مما يدل على عدم المخالفة والإجماع عليه.

و قد احتج أصحاب هذا الرأي بعدة أدلة صحيحى منها : أن سيدنا محمد صلى الله عليه كان يقرأ بعض السور مرتبة في الصلاة أمام الصحابة، فقد رَوَى ابن أبي شيبة: أنه عليه الصلاة والسلام كان يجمع المفصَّل في ركعة، ورَوَى البخاري عن ابن مسعود أنه قال: في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: “إنهن من العتاق الأُوَل، وهن من تِلادى” فذكرها نسقًا كما استقر ترتيبها.

ويفهم من هذ الأدلة، جاءت السور مرتبة، وتم وضع الآيات في المكان المناسب لها، إنما كان بوحي من الله تعالى، وقد نُنقل في غير موضع من الصحاح والسنن أن النبي صلى الله عليه كان- يقول: ضعوا آية كذا في موضع كذا، وقد حصل اليقين القطعي من النقل المتواتر والمشهور بهذا الترتيب من تلاوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومما أجمع الصحابة على وضعه هكذا في المصحف”.

  • والقول الثاني للعلماء يقول: إن ترتيب السور ليس توقيفي، بل هو اجتهاد الصحابة ، ودليل أصحاب هذا القول: اختلاف المصاحف، وأن كل واحد كان له مصحف مختلف، في الترتيب، فمثلاً مصحف ” سيدنا علي بن أبي طالب” كان مرتبًا على حسب نزول السور، أوله: اقرأ، ثم المدثر، ثم ن والقلم، ثم المزمل وهكذا… إلى آخر المكي والمدني، وكان أول مصحف ابن مسعود: البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران.

وقد رَوَى ابن عباس رضي الله عنه قال: “قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينهما. ولم تكتبوا بينهما سطر: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ووضعتموها في السبع الطوال.
فقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تنزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا أنزل عليه شيء دعا بعض من يكتب فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن نزولًا، وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها، فقُبِض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يبيِّن لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ووضعتها في السبع الطوال“، انتهى كلامه رضي الله عنه.

  • وقال جماعة من العلماء: إن بعض السور ترتيبه جاء بتقيف من الله، والبعض الآخر اجتهد فيها الصحابة،حيث ورد ما يدل على ترتيب بعض السور في عهد النبوة، فقد ورد ما يدل على ترتيب السبع الطوال والحواميم والمفصَّل في حياته عليه الصلاة والسلام.

ورُوِيَ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران” . ورُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان : “أنه كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما، فقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و”المعوذتين“.

وإذا ناقشنا هذه الآراء يتبين لنا ما يلي:

أن الرأي الثاني دليله ضعيف، ولا يستند إلى دليل يُعتمد عليه. والصحابة عندما يجتهدون في ترتيب بعض المصاحف الخاصة بهم ، إنما هو بإختيارًا منهم قبل جمع القرآن بالترتيب، فلما جُمِع في عهد عثمان بترتيب الآيات والسور على حرف واحد واجتمعت الأمة على ذلك تركوا مصاحفهم، ولو كان الترتيب اجتهاديًّا لتمسكوا بها.

كذلك حديث : الأنفال والتوبة الذي رُوِيَ عن ابن عباس فيه راوي ضعيف، وفيه تشكيك في إثبات (بسم الله الرحمن الرحيم) في أوائل سور القرآن. كأن سيدنا عثمان كان يثبتها برأيه وينفيها برأيه. ولذا قال فيه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه عليه بمسند الإمام أحمد: “إنه حديث لا أصل له”. وغاية ما فيه أنه يدل على عدم الترتيب بين هاتين السورتين فقط.

والترجيح في هذه المسألة، أن ترتيب الآيات والسور، جاء بتوقيف من الله تعالى، قفالله سبحانه وتعالى أنزل الله كتابه كاملاً إلى السماء الدنيا، ثم تم تفريقه في بضع وعشرين، فكانت السورة لحادثة تحدث، والآية جوابًا لمستخبِر، ويوقف جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- على موضع الآية والسورة، فاتساق السور كاتساق الآيات والحروف كله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن قدَّم سورة أو أخرها فقد أفسد نظم القرآن” وقال الكرماني في “البرهان”: “ترتيب السور هكذا هو عند الله في اللَّوح المحفوظ على هذا الترتيب، وعليه كان -صلى الله عليه وسلم– يعرض على جبريل كل سنة ما كان يجتمع عنده منه. وعرضه عليه في السٌّنَّة التي توفي فيها مرتين. وكان آخر الآيات نزولًا: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} , فأمره جبريل أن يضعها بين آيتي الربا والدَّيْن”.


شارك المقالة: