تعامل النبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم مع الموالي

اقرأ في هذا المقال


تعامل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مع الموالي:

كان هناك أثر كبير وعظيم في نفوس الذين تعاملوا مع النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – من العبيد، فقد استطاع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن يأسر قلوبهم وأن يملك مشاعرهم من خلال سماحة أخلاقه وكريم شمائله عليه الصلاة والسلام.

ولننظر إلى قصّة الصحابي الجليل زيد بن حارثة رضي الله عنه مولى النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم، فقد استقرّ رضي الله عنه في بيت النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام وذلك قبل البعثة، وظلّ رضي الله عنه هناك يقوم على خدمة النبي الأكرم محمد عليه الصلاة والسلام وكان يرعى شؤونه، حتى بلغت ووصلت الأخبار إلى والده بوجوده عند النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم –، فانطلق والده مسرعاً إليه، وقد طلب منه أن يرد له ولده، فنظر النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام إلى الصحابي الجليل زيد بن حارثة وقال له: “إن شئت فأقم عندي، وإن شئت فانطلق مع أبيك “، ولم يطل اختيار الصحابي الجليل زيد بن حارثة رضي الله عنه، فلم يكن زيد ليفضّل عليه أحداً، فقال زيد: “بل أقيم عندك”، حينها سُرّ النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – من موقفه، وعندها قرّر أن يتبنّاه، وهكذا عاش الصحابي زيد بن حارثة رضي الله عنه عيشةً هانئةً راضية في بيت سيدنا محمد، ينسبه الناس فيقولون له: “زيد بن محمد” حتى أبطل الله عز وجل عادة التبني.

حقوق الموالي:

إذا قمنا بتتبع التوجيهات والحقوق التي قرّرها النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – للموالي والخدم حينها سنعرف مقدار الاهتمام الكبير والعظيم الذي حازته تلك الفئة في شريعة دين الله الإسلام، حيث قد جعل لهم حقّاً في المأكل وفي المشرب وفي الملبس، وقد دعا النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام إلى إشراكهم في الجلوس، فقال عليه الصلاة والسلام في وصيّته الشهيرة: “إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون ” رواه البخاري.

وقد صحّ عن النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام قوله: “للمملوك طعامه وكسوته” رواه أحمد، وأيضاً ينقل لنا جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – كان يوصى بالمملوكين خيراً وكان يقول: “أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم من لبوسكم، ولا تعذبوا خلق الله عز وجل”، رواه البخاري، وقال عليه الصلاة والسلام: “إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فليجلسه، فإن لم يقبل فليناوله منه ” رواه البخاري في الأدب المفرد .

الإحسان للمولي:

ويؤكد النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – على أهمية وضرورة الإحسان إلى الخدم والعبيد والتعامل معهم بكل احترام لا تمميز بينهم وبين الناس، وأن ذلك يعتبر من أبواب الصدقة فيقول عليه الصلاة والسلام:  “وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة ” رواه أحمد.

وقد جاء رجلٌ إلى النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – فقال الرجل: “عندي دينار، فقال له: ( أنفقه على نفسك)، قال: عندي آخر، فقال له: (أنفقه على زوجتك)، قال: عندي آخر، فقال له: (أنفقه على خادمك، ثم أنت أبصر )” رواه البخاري في الأدب المفرد.

وعندما كان الخدم وغيرهم من الضعفاء والمساكين مظنّة الهضم والظلم، شدّد النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – على تحريم أكل أموال الضعفاء والمساكين من الخدم وغيرهم أو تأخيرها فقال عليه الصلاة والسلام: “أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ” رواه ابن ماجة.

وقد سلك النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – مع هؤلاء الفئة من الناس مسلك التعليم ومسلك الإرشاد، وكان مسلكه يبتعد عن التوبيخ وعن التقريع وذلك تجاه ما يصدر منهم من هفوات وأخطاء بشريّة لا يسلم منها أي أحد، حيث يقول أنس رضي الله عنه: “خدمت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عشر سنين، والله ما سبني سبة قط، ولا قال لي أفًّ قط ، ولا قال لي لشيء فعلته: (لم فعلته )، ولا لشيء لم أفعله: (ألا فعلته) “، رواه أحمد.

كما نهى النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – عن تكليف الموالي من الضعفاء والمساكين بالأعمال التي تكون فوق طاقتهم، فقال عليه الصلاة والسلام: “لا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم” رواه البخاري. 

وأيضاً إبطالاً لما كان عليه الناس في وقت الجاهلية من ضرب الموالي والقيام بتعذيبهم، نهى النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك فقال: “ولا تعذبوا خلق الله عز وجل” رواه البخاري في الأدب المفرد، وقال أيضاً النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام : “لا تضربوا المسلمين” رواه أحمد.

النبي محمد يوصي الصحابة:

وكان النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام يعظ ويوصي أصحابه الكرام إذا رآهم يعتدون على ما لديهم موالي بالضرب، وذلك مثلما حصل مع الصحابي أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه حين ضرب غلاماً له، فقال له النبي الكريم محمد– صلى الله عليه وسلم -: “اعلم أبا مسعود ، لله أقدر عليك منك عليه، فقال أبو مسعود رضي الله عنه : يا رسول الله ، هو حر لوجه الله ، فقال له : ( أما لو لم تفعل لمسّتك النار )” رواه مسلم .

وقد جعل النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – ضرب الموالي بغير حقٍ هو ذنب وخطأ يستوجب الكفارة، حيث قد جعل الكفارة هي العتق، قال النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم -: “من ضرب غلاما له حداً لم يأته – أي بغير حدٍ – أو لطمه ، فإن كفارته أن يعتقه” رواه مسلم، وأمر النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام سويد بن مقرن بإعتاق خادمة كانت عنده قام بضربها،  فقيل له: “ليس له خادم غيرها، فقال: (فليستخدموها، فإذا استغنوا خلوا سبيلها ) رواه البخاري في الأدب المفرد” .

الآداب في اللفظ:

ومن الآداب اللفظية (ما يختص بطريقة الكلام) التي كان هناك تنبيه فيها، هو النهي عن التلفظ بألفاظٍ قد تسئ في حق الموالي وحق الخدم وهناك ألفاظ لا تكون لهم وإنما لا تليق إلا بالله عزوجل، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وضّئ ربك، اسق ربك، وليقل: سيدي، مولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي، أمتي، وليقل: فتاي، وفتاتي، وغلامي” متفق عليه.

والسبب الأهم في هذا النهي هو أن حقيقة الربوبيّة هي لله سبحانه وتعالى فقط؛ فمنع النبي الكريم محمد المضاهاة في ذلك الاسم؛ لأنها لا تكون لبشر وإنما تكون للخالق فقط، ومثلها العبوديّة أيضاً، فالمستحقّ للعبودية هو الله الخالق المعبود جلّ وعلا، وهنا قد نُهي عن ذلك اللفظ لما في ذلك من تعظيم للبشر لا يليق أبداً إلا بالخالق سبحانه وتعالى.

تعامله صلى الله عليه وسلم مع الموالي:

وفي تزويج النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – لعدة من أصحابه الكرام الموالي رسالةٌ واضحةٌ وعظيمة في أن العبرة والمعوّل عليه إنما يكون هو الدين والخلق والتقوى أيضاً، وأيضاً بغضّ النظر عن المقام والمكانة الاجتماعية، فقد زوج النبي الكريم محمد مولاه الصحابي الجليل زيد بن حارثة رضي الله عنه بقريبته زينب بنت جحش الهاشمية رضي الله عنهما، وقد زوّج الصحابي الجليل أسامة بن زيد رضي الله عنه بفاطمة ينت قيس القرشية، فكان تلك المواقف هي أسوة وقدوة للأمة من بعده.

وكما قرّر النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم –الحقوق ، فقد بيّن أيضاً في المقابل ما لديهم من واجبات ينبغي على المملوك أو الخادم مراعاتها، فقال النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام مذكّراً وناصحاً: “ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه” رواه البخاري.

وهكذا كلما قلّبنا النظر في سيرة النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – نجد فيها الكمال في الأخلاق، ونجد فيها العدل في الأحكام، ونجد فيها الحلم في التعامل، فصلوات الله وسلامه على أشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.


شارك المقالة: