لقدْ جاءَ الإسلامُ ليوجّه النّفسَ البشريّةَ إلى خالقها، ويبعدها عنْ كلِّ ما يغضبُ ربّها منَ العاداتِ والأخلاقِ الّتي لا تمتُّ لفطرةِ الإسلامِ بشيءٍ، وقدْ علّمنا رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ منّ النّواهي الّتي كانتْ منْ أمرِ الجاهليةِ وأهلها المشركينَ بعبوديّةِ الله تعالى، وسنعرضُ حديثاً في ذلك.
الحديث
أوردَ الإمامُ مسلمٌ يرحمهُ اللهُ تعالى في الصّحيحِ: ((حدّثنا أبو بكرِ بنُ أبي شيبة، حدّثنا عفّانُ، حدّثنا أبانُ بنُ يزيدَ ح وحدّثني إسحاقُ بنُ منصورٍ، واللّفظُ له، أخبرنا حبّانُ بنُ هلالٍ، حدّثنا أبانُ، حدّثنا يحيى، أنَّ زيداً، حدّثهُ أبا سلّامٍ، حدّثهُ، أنّ أبا مالكٍ الأشعريُّ حدّثهُ أنَّ النّبيَّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ قال: “أربعٌ في أمّتي منْ أمرِ الجاهليّةَ لا يتركونهنَّ: الفخرُ في الأنسابِ، والطّعنُ في الأنسابِ، والاستسقاءُ بالنّجومِ، والنّياحةِ”. وقالَ: “النّائحةُ إذا لمْ تتبْ قبلَ موتها؛ تُقامُ يومَ القيامةِ وعليها سربالٌ منْ قَطِرانٍ ودرعٌ منْ جربٍ” )). رقمُ الحديث: 29/934.
ترجمة رجال الحديث
الحديثُ المذكورُ يوردهُ الإمامُ مسلمُ بنُ الحجّاجِ النّيسابوريُّ في الصّحيحِ في كتابِ الجنائزِ، بابُ: (التّشديدُ في النّياحة)، والحديثُ جاءَ منْ طريقِ الصّحابيِّ الجليلِ أبي مالكٍ الأشعريِّ رضيَ اللهُ عنهُ، وهوَ منَ الصّحابة الرّواة للحديثِ، أمّا بقيّةُ سندِ الحديثِ منَ الرجال:
- أبو بكرِ بنُ أبي شيبةَ: وهوَ عبدُ اللهِ بنُ محمّدِ بنِ إبراهيمَ العبسيُّ (159ـ235هـ)، وهوَ منْ كبارِ محدّثي تبعِ أتباعِ التّابعينَ الثّقاتِ في الحديثِ.
- عفّانُ: وهوَ أبو عثمانَ، عفّانُ بنُ مسلمٍ الأنصاريُّ (134ـ220هـ)، وهوةَ منْ ثقاتِ الرّواةِ للحديثِ منْ تبعِ الأتباع.
- أبانُ بنُ يزيدَ: وهوَ أبو يزيدَ، أبانُ بنُ يزيدَ العطّارِ البصريُّ (ت:160هـ)، وهوَ منْ ثقاتِ المحدّثينَ للحديثِ منْ أتباع التّابعينَ.
- إسحاقُ بنُ منصورٍ: وهوَ أبو يعقوبَ الكوسجِ، إسحاقُ بنُ منصور بنِ بهرامَ التّميميُّ (ت: 251هـ)، وهوَ منَ الرّواةِ الثّقاتِ منْ تبعِ الأتباعِ.
- حبّانُ بنُ هلالٍ: وهوَ أبو حبيبٍ، حبّانُ بنُ هلالٍ الباهليُّ (ت: 216هـ)، وهوَ منْ ثقاتِ تبعِ الأتباعِ.
- يحيى: وهوَ أبو نصرٍ، يحيى بنُ أبي كثيرٍ الطّائيُّ (ت: 129هـ)، وهوَ منْ أتباعِ التّابعينَ الثّقات في رواية الحديث.
- زيدٌ: وهوَ زيدُ بنُ سلامٍ الحبشيُّ، منْ ثقاتِ أتباع التّابعينَ في الحديث.
- أبو سلّامٍ: وهوَ ممطورٌ الأسودُ الحبشيُّ، وهو منَ التّابعينَ الثّقاتِ في الرّواية للحديثِ عنِ الصّحابة.
دلالة الحديث
يشيرُ الحديثُ المذكورُ إلى أربعة منَ العاداتِ الّتي حرّمها الإسلامُ، وقدْ عدّها النّبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ منْ أمورِ الجاهليّةِ الّتي كانتْ تكثرُ في أهلِ الشّركِ، وهي:
- الفخرُ في الأنسابِ: ومعناهُ الافتخارُ في النّسبِ إلى القبيلةِ والعشيرة ونصرتها في الحقِّ والباطلِ.
- الطّعنُ في الأنسابِ: وهوَ التنقيصُ منْ أنسابِ الغيرِ بشأنِ التحقيرِ والذّمِّ فيهم.
- الاستسقاءُ بالنّجوم: وهوَ التّوجّه للنّجومِ بالسّقيا، وهوَ محرّمٌ لأنَّ الإنسانَ يلتجأ إلى الله تعالى بالغيث والمطر.
- النّياحة: وهو البكاءُ على الميّتِ ورفعُ الصّوتِ في البكاءِ، وفي هذا كفرٌ بالقضاء والأجل، كما بيّنَ النّبيُّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ عقوبةُ النّائحة عند موتها منْ غير توبة أنّها تبعثُ يومَ القيامةِ وعليها سربال منْ قطران وهوَ قميصُ منْ النّحاسِ المذابِ ودرعٌ منْ جربٍ أي ثوبٌ كلّهُ جربٌ والجربُ بمثابة الدّرعِ لها.
ما يرشد إليه الحديث
منَ الفوائدِ منَ الحديث:
- تحريمُ العاداتِ الّتي منْ شأنها الفخر بالنّسب والطّعن والتحقيرُ بأنساب الآخرين.
- تحريمُ السّقيا منْ غير الله تعالى.
- تحريمُ النياحة وعقوبة النّائحة يوم القيامة.