لقدْ نزلَ الإسلامُ مهذّباً للنّفسِ البشرية في حبِّ الدّنيا ونعيمها وغلبة حبِّ النّفسِ على الآخرينَ ، كما جاءَ النّهيُ عنِ المنّ في النّفقةِ والخيلاءُ في اللّباسِ وكثرة الحلفِ على البيوعِ وغيرها، وقدْ جاءَ في حديثِ النّبيِّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ النّهي عنْ ذلكَ، وسنعرضُ حديثاً في ذلك.
الحديث
أوردَ الإمامُ التّرمذيُّ يرحمهُ الله في الجامع الصّحيح: ((حدّثنا محمودُ بنُ غيلانَ، حدّثنا أبو داوُدَ، قال: حدّثنا شعبةُ، أخبرني عليُّ بنُ مدركٍ، قال: سمعتُ أبا زرعةَ بنَ عمرو بنِ جريرٍ، يحدّثُ عنْ خرشةَ بنِ الحرِّ، عنْ أبي ذرٍّ، عنِ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ ، قال: “ثلاثةٌ لا ينظرُ الله إليهم يومَ القيامةِ، ولا يزكيهم، ولهمْ عذابٌ أليمٌ” قلنا: منْ همْ يا رسولَ الله فقدْ خابوا وخسروا؟. فقال: ” المنّانُ والمسبلُ إزاره، والمنفقُ سلعتهُ بالحلفِ الكاذبِ”.)). حكمُ الحديثِ صحيحٌ ورقمه1211.
ترجمة رجال الحديث
الحديثُ المذكورُ يوردهُ الإمامُ أبو عيسى، محمّدُ بنُ عيسى بنِ سورةَ التّرمذيُّ في الجامع الصّحيح في أبوابِ البيوع عنْ رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّمَ، بابُ منْ حلفَ على سلعةٍ كاذباً، والحديثُ جاءَ منْ طريقِ الصّحابيِّ الجليلِ أبي ذرٍّ الغفاريُّ رضيَ اللهُ عنهُ، وهوَ جندبُ بنُ جُنادةَ الغفاريُّ، وهوَ منَ الرّواةِ الصّحابةِ للحديثِ النّبويِّ، أمّا بقيّةُ رجالِ سندِ الحديث:
- محمودُ بنُ غيلانَ: وهوَ أبو أحمدَ، محمودُ بنُ غيلانَ العدويُّ (ت: 239هـ)، وهوَ منْ ثقاتِ رواية الحديثِ منْ تبعِ أتباع التّابعينَ.
- أبو داودَ: وهوَ سليمانُ بنُ داودَ بنِ الجارودِ الطّيالسيُّ (133ـ204هـ)، وهوَ منْ ثقات تبع الأتباع.
- شعبة: وهوَ أبو أبو بسطامٍ، شعبةُ بنُ الحجّاجِ العتكيِّ (82ـ160هـ)، وهوَ منْ ثقات المحدّثينَ منْ أتباع التّابعينَ.
- عليُّ بنُ مدركٍ: وهوَ أبو مدركٍ، عليُّ بنُ مدركٍ النّخعيُّ (ت: 120هـ)، وهوَ من ثقات في رواية الحديث.
- أبو زرعة: وهوَ أبو زرعة بنُ عمرِو بنِ جريرٍ البجليّ، وهوَ ثقةُ في رواية الحديثِ منَ التّابعينَ.
- خرشةَ بنُ الحرِّ: وهوَ خرشةُ بنُ الحرِّ بنِ قيسٍ الفزاريُّ (ت: 74هـ)، وهوَ منْ كبارِ ثقات التّابعينَ.
دلالة الحديث
يشيرُ الحديثُ إلى ثلاثةِ أصنافٍ لا ينظرُ الله تعالى إليهم، ولا يزكّيهم، ووعدهمْ بعذابٍ أليمٍ، وعدمُ النّظرِ منَ الله وعدمُ التّزكيةِ وعيدٌ يدلُّ على عظمِ ذنوبهم وهم:
- المنّانُ: وهوَ منْ لا يعطي ويتصدّقُ بشيٍْ إلا أتبعهُ بالكلامِ الّذي منه منّةً.
- المسبلُ إزاره: وهوَ منْ أنزلَ وأسدلَ ثوبهَ عنِ الكعبينِ خيلاءً وتكبّراً.
- المنفقُ سلعتهُ بالحلفِ الكاذبِ: وهوَ منْ يبيعُ السّلعة مصحوبةً بحلفٍ كاذبٍ بجودتها ليبيعها ويستفيدَ منها.
ما يرشد إليه الحديث
من الفوائد منَ الحديث:
- حرمة المنِّ على الصدقة والعطاءِ.
- حرمة اسدال الثوبِ تكبّراً.
- حرمة الحلف الكاذب على السّلعة.