لقدْ كانَ في الحديث النَّبويِّ الشَّريفِ الكثيرٌ منَ الأحكامِ للعباداتِ والآدابِ المتَّصلةِ بها، ومنْ هذهِ العباداتِ الصَّلاةُ، فقدْ كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حريصاُ على تعليمها للصَّحابةِ الشُّهودِ على إيصالها لكلِّ الأمَّةِ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، ولمْ يتركِ النَّبيُّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ شيئاً إلَّا وضَّحه، ومن الأحكامِ المتعلِّقةِ في الصَّلاةِ؛ الصَّلاةُ في مرابضِ الغنمِ وحكمها، فتعالوا نستعرضُ حديثاً في ذلكَ.
الحديث:
يروي الإمامُ البخاريُّ يرْحمهُ اللهُ في الصَّحيحِ: ( حدَّثَنا سليمانُ بنُ حربٍ، قالَ: حدَّثَنا شعبةُ، عنْ أبي التَّيَّاحِ، عنْ أنسٍ، قال: كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُصلِّي في مرابضِ الغنمِ، ثمَّ سمعتُهُ بعدُ يقولُ: كانَ يصلِّي في مرابضِ الغنمِ قبلَ أنْ يبنى المسجدُ)). رقمُ الحديثِ: 429.
ترجمة رجال الحديث:
الحديثُ يرْويهِ الإمامُ محمَّدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ في الصَّحيحِ في كِتابِ الصَّلاةِ؛ بابُ الصَّلاةً في مرابضِ الغنمِ، والحديثُ منْ طريقِ الصَّحابيِّ الجليلِ أنسٍ رضيَ اللهُ عنهُ، خادم النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمُ، وهوَ أنسُ بنُ مالكِ بنِ النَّضرِ الأنْصاريِّ، منْ الصَّحابةِ المكثرينَ للحديثِ عنْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، أمَّا بقيَّةُ رجالِ الحديثِ فهم:
- سليمانُ بنُ حربٍ: وهوَ أبو أيُّوبَ، سليمانُ بنُ حربٍ الأزديُّ الواشحيُّ (140ـ224هـ)، وهوَ منَ المحدِّثينَ منْ تبعِ أتْباعِ التَّابعينَ.
- شعبةُ: وهوَ أبو بسطامَ، شعبةُ بنُ الحجَّاجِ العتكيُّ الأزديُّ (82ـ160هـ)، وهوَ منْ ثقاتِ المحدِّثينَ من أتباعِ التَّابعينَ.
- أبو التَّيَّاحِ: وهوَ أبو التَّيَّاح البصريُّ، يزيدُ بنُ حُميدٍ الضَّبعيُّ (ت:128هـ)، وهوَ منَ الثِّقاتِ في روايةِ الحديثِ منَ التَّابعينَ عنِ الصّحابةِ.
دلالة الحديث:
يشيرُ الحديثُ إلى حكمِ أداءِ الصَّلاةِ في مرابضِ الغنمِ، ومرابضُ الغنمِ هي الأماكنُ الّتي تأوي إليها الغنمُ عندَ رجوعها منَ المرعى، ويشيرُ الحديثُ إلى جوازِ الصَّلاةِ في هذهِ الأماكنُ، والشَّاهدُ على ذلكَ ما رواهُ الصَّحابيُّ أنسُ بنُ مالكٍ أنَّهُ رأى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يفعلُ ذلكَ، ثمَّ يروي أنَّ ذلكَ كانَ قبلَ إقامةِ المساجدِ، وقدْ ذهبَ العلماءُ إلى جوازِ ذلكُ وعدمِ نجاسةِ روثِ الغنمِ لأنَّ مصدرها ما كان لحمهُ يؤكلُ شرعاً، إلَّا المذهبِ الشَّافعيِّ وأتْباعِهِ فقدْ رأوا نجاسةَ روثِ الغنمِ، وقدْ رأى الشَّافعيَّةُ أنَّ هذا الحديثُ يدلُّ على صلاةِ النَّبيِّ في مرابضها لكنْ ما كانَ خالياً منَ البولِ والروثِ وغيرها منْ مخلَّفاتِ الغنمِ، واللهُ تعالى أعلمُ.
ما يرشد إليه الحديث:
منَ الدُّروسِ المستفادةِ منَ الحديثِ:
- جوازُ الصَّلاةِ في مرابضِ الغنمِ.
- مرابضُ الغنمِ هي أماكنُ تواجدها عندَ رواحها منْ مرعاها.