لقدْ شرعَ الإسلامُ منَ الأحكامِ الّتي تقضي بينَ النّاسِ بالحقِّ وتؤتي كلَّ ذي حقٍّ حقّهُ، وقدْ كانَ عليه الصّلاةُ والسّلامُ يوصي منْ يتولّى القضاء بمخافةِ الله وتقواهُ وأنْ لا يتّبعَ الهوى في ذلكَ، كما وردَ في حديثهِ عليه الصّلاةُ والسّلامُ منَ الشّواهدِ ما يُكرهُ منَ القضاءِ في حالاتٍ منها الغضبُ، وسنعرضُ حديثاً في ذلكَ.
الحديث
أوردَ الإمامُ البخاريُّ في الصّحيحِ: ((حدّثنا آدمُ، حدّثنا شعبةُ، حدّثنا عبدُ الرّحمنِ بنِ عميرٍ، سمعتُ عبدَ الرّحمنِ بنَ أبي بكرةَ، قال: كتبَ أبو بكرةَ إلى ابنهِ، وكانَ بسجستانَ، بأنْ لا تقضي بينَ اثنينِ وأنتَ غضبانٌ؛ فإنّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ يقولُ: “لا يقضينّ حكمٌ بينَ اثنينِ وهوَ غضبانُ”)). رقمُ الحديث: 7158.
ترجمة رجال الحديث
الحديثُ المذكورُ أوردهُ الإمامُ محمّدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ في الصّحيحِ في كتابِ الأحكامِ، بابُ: (هلْ يقضي الحاكمُ أو يفتي وهوَ غضبانُ؟)، والحديثُ منْ طريقِ الصّحابيِّ الجليلِ أبي بكرةَ رضي اللهُ عنهُ، وهوَ نفيعُ بنُ الحارثِ الثّقفيُّ، منَ الصّحابة الرّواةِ للحديثِ عنْ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ، أمّا بقيّةُ رجالِ السّندِ البقيّةُ:
- آدمُ: وهوَ أبو الحسنِ، آدمُ بنُ أبي إياسٍ العسقلانيُّ (132ـ220هـ)، وهوَ منْ ثقاتِ رواية الحديثِ منْ تبع أتباع التّابعينَ.
- شعبةُ: وهوَ أبو بسطامٍ، شعبةُ بنُ الحجّاجِ العتكيّ (82ـ160هـ)، وهوَ منْ مشاهيرِ ثقاتِ المحدّثينَ منْ أتباع التّابعينَ.
- عبدُ الملكِ بنُ عميرٍ: وهوَ أبو عمرو، عبدُ الملكِ بنِ عميرٍ القرشيُّ (33ـ136هـ)، وهوَ منَ التّابعينَ في رواية الحديثِ.
- عبدُ الرّحمنِ بنُ أبي بكرةَ: وهوَ أبو بحرٍ، عبدُ الرّحمنِ بنُ نفيعٍ الثّقفيُّ (14ـ96هـ)، وهوَ منَ التّابعينَ الثّقاتِ في رواية الحديثِ عنِ الصّحابةِ، ويروي الحديثَ عنْ أبيهِ.
دلالة الحديث
يشيرُ الحديثُ إلى حكمٍ منْ أحكامِ القضاءِ وتنفيذِ الأحكامِ بينَ النّاسِ، وهوَ النّهي عن القضاء بحالة الغضبِ، وقدْ أشارَ الحديثُ النّبويُّ أنَّ النّبيَّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ قدْ نهى عنِ القضاءِ في حالةِ الغضبِ، لأنّ الغضبَ قدْ يغيّرُ الحقائقَ وأنَّ القاضي بحالةِ الغضبِ قدْ تتغيّرُ رؤيتهُ للحقائقِ منَ النّفسِ الغضبى، فيفتي بغيرِ الحقِّ ويسلب حقوقَ النّاسِ بغيرِ وجهٍ مشروعٍ، وقدْ ذهبَ أهلُ العلمِ بالنّهيِّ عنْ كلِّ ما يشبهُ حالةَ الغضبِ بالقضاءِ كالجوعِ الشّديدِ أوْ المرضِ الّذي يغيّبُ العقلَ قياساً على حالةِ الغضبِ، واللهُ تعالى أعلمُ.
ما يرشد إليه الحديث
منَ الفوائدِ منَ الحديث:
- عظمُ مسؤوليّةِ القضاءِ بينَ النّاسِ.
- النّهي عنِ القضاءِ والفتيا والقاضي غضبانُ.