لقدْ حرصَ الإسلامُ على أنْ يتحلّى الإنسانُ بصفاتِ التّواضعِ معَ النّاسِ واحترامِ بعضهمُ البعض، وحرّمَ الرفعةَ والكبرَ عنْ معاملتهمْ بالّتي هي أحسن، وجعلَ ميزانَ التّفاضلِ بينهمْ بالإيمانِ والتّقوى، وعدّ النَّبيُّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ الكبر منْ مناقضاتِ الإيمانِ، وسنعرضُ حديثاً في تحريمِ الكبرِ.
الحديث
أوردَ الإمامُ مسلمُ يرحمهُ اللهُ في الصّحيحِ: ((وحدّثنا محمّدُ بنُ المثنّى، ومحمّدُ بنُ بشّارٍ، وإبراهيمُ بنُ دينارٍ جميعاً، عنْ يحيى بنُ حمّادٍ، قالَ ابنُ المثنّى: حدّثني يحيى بنُ حمّادٍ، أخبرنا شعبةُ، عنْ أبانَ بنِ تغلِبَ، عنْ فضيلٍ الفقيميُّ عنِ إبراهيمَ النّخعيِّ، عنْ علقمةَ، عنْ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، عنِْ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ قال: “لا يدخلُ الجنّةَ منْ كانَ في قلبهِ مثقالَ ذرّةٍ منْ كبرٍ”. قال رجلٌ: إنَّ الرّجلَ يحبُّ أنْ يكونَ ثوبهُ حسناً ونعلهُ حسنةً. قال: “إنَّ اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ، الكِبَرُ بطْرُ الحقِّ ، وغمْطُ النّاسِ” )). رقمُ الحديث: 147.
ترجمة رجال الحديث
الحديث يوردهُ الإمامُ مسلمُ بنُ الحجّاجِ النّيسابوريُّ في الصّحيحِ في كتابِ الإيمانِ بابُ: (تحريمِ الكبرِ وبيانهِ)، والحديث جاءَ منْ طريقِ الصّحابيِّ الجليلِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ الهذليُّ رضيَ اللهُ عنهُ، وهوَ منَ المكثرينَ في رواية الحديثِ منَ الصّحابةِ الكرامِ، وبقيّةُ اسنادُ الحديثِ منَ الرّجال:
- محمّدُ بنُ المثنّى: وهوَ أبو موسى، محمّدُ بنُ المثنّى العنزيُّ (167ـ252هـ)، وهوَ منْ ثقاتِ تبعِ أتباعِ التّابعينَ في الحديثِ.
- محمّدُ بنُ بشّارٍ: وهوَ أبو بكرٍ، بندارُ، محمّدُ بنُ بشّارِ بنِ عثمانَ العبديّ (167ـ252هـ)، وهوَ منْ تبعِ أتباعِ التّابعينَ الثّقاتِ أيضاً.
- إبراهيمُ بنُ دينارٍ: وهوَ أبو إسحاقَ، إبراهيمُ بنُ دينارٍ البغداديّ (ت: 232هـ)، وهوَ منْ ثقاتِ تبعِ الأتباع في الحديثِ.
- يحيى بنُ حمّادٍ: وهوَ أبو بكرٍ، يحيى بنُ حمّادٍ الشّيبانيُّ (ت: 215هـ)، وهوَ منْ شيوخِ تبعِ الأتباع الثّقات في الحديث.
- شعبةُ: وهوَ أبو بسطامٍ، شعبةُ بنُ الحجّاجِ العتكيُّ (82ـ160هـ)، وهو منْ كبارِ أتباع التّابعينَ منَ المحدّثينَ الثّقاتِ.
- أبانُ بنُ تغلبَ: وهوَ ابو سعدٍ، أبانُ بنُ تغلبَ الرّبعيّ (ت: 141هـ)، وهوَ منَ الثّقاتِ منْ أتباع التّابعينَ.
- فضيلٌ الفقيميُّ: وهوَ أبو النّضرِ، فضيلُ بنُ عمرو الفقيميّ (ت: 100هـ)، وهوَ ثقةُ منْ أتباع التّابعينَ المحدّثينَ.
- إبراهيمُ النّخعيُّ: وهوَ أبو عمرانَ، إبراهيمُ بنُ يزيدَ النّخعيُّ (46ـ96هـ)، وهو منْ ثقاتِ رواةِ الحديث منَ التّابعينَ.
- علقمة: وهوَ أبوشبلٍ، علقمةُ بنُ قيسٍ النّخعيُّ (ت: 60هـ)، وهوَ من رواةِ الحديثِ منْ ثقاتِ التّابعينَ.
دلالة الحديث
يشيرُ الحديث المذكورُ إلى تحريمِ الكبرِ، وقدْ بيّن النّبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ معناهُ في نهاية الحديثِ بأنّهُ بطرُ الحقِّ وغمطُ النّاسِ، أمّا بطرُ الحقِّ فتعني: انكاره ودفعهُ، وغمطُ النّاسِ أي: استهانة وتحقير الآخرين، وقدْ ذهبُ أهلُ العلمِ كما ذكر الإمامُ النّووي في شرح صحيح مسلمٍ ومنهمُ الإمامُ الخطّابيُّ إلى معنى “لا يدخلُ الجنّةَ” إلى أنّ معناها أنّهُ لا يدخلُ الجنّةَ منْ كانَ متكبّراً على الإيمان، وقيلَ أنّ الجنّةَ لا يدخلها المتكبّرونَ لأنّ الله ينزعُ ذلكَ منْ قلوبهمْ قبلَ دخولها، وقيلَ أنّهمْ لا يدخلوها معَ السّابقينَ إليها والله أعلمُ.
ما يرشد إليه الحديث
الفوائدِ منَ الحديث:
- تحريمُ الكبرِ على الحقِّ والإيمانِ.
- حرمةُ دخولُ المتكبّرينَ على الإيمانِ الجنّةَ.