لقدْ كانَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّمَ حريصاً على أنْ يعلّمَ أصحابه آداب المجالسِ والحديث، وقدْ ورد في حديثِه عليه الصّلاة والسّلامُ كثيراً منَ الشّواهدِ الّتي تبيّنُ ذلكَ، ومنْ تلكَ الآداب أنّهُ نهى عليه الصّلاةُ والسّلامُ أنْ يتحدّث الإثنينِ سراً مع بعضهما بوجودِ آخر، وسنعرض حديثاً في ذلكَ.
الحديث
أوردَ الإمامُ مسلم بن الحجّاج يرحمهُ اللهُ في الصّحيحِ: ((حدّثنا يحيى بنُ يحيى، قال: قرأتُ على مالكٍ، عنْ نافعٍ، عنِ ابنِ عمرَ، أنّ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ قال: “إذا كان ثلاثةٌ فلا يتناجى اثنانِ دونَ واحدٍ”)). رقمُ الحديث: 36/2183.
ترجمة رجال الحديث
الحديثُ المذكورُ أوردهُ الإمامُ مسلمُ بنُ الحجّاجَ النّيسابوريُّ في الصّحيحِ في كتابِ السّلامِ، بابُ: (تحريمُ مناجاةِ الإثنينِ دونَ الثّالثِ إلّا برضاه)، والحديثُ قدْ جاءَ منْ طريقِ الصّحابيِّ الجليلِ ابنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهما، وهوَ عبدُ اللهِ بنُ عمرَ بنِ الخطّابِ القرشيُّ (ت: 73هـ)، وهوَ منْ أكثرِ الصّحابةِ روايةً للحديثِ النّبويِّ الشّريفِ، أمّا بقيّةُ رجالِ سندِ الحديث:
- يحيى بنُ يحيى: وهوَ أبو زكريا، ريحانةُ نيسابورَ، يحيى بنُ يحيى التّميميُّ النّيسابوريُّ (142ـ226هـ)، وهوَ منْ ثقات الرّواية للحديثِ منْ تبعِ أتباع التّابعينَ.
- مالكٌ: وهوَ أبو عبدِ اللهِ، مالكُ بنُ أنسٍ الأصبحيُّ الحميريُّ (93ـ179هـ)، وهوَ منْ ثقات المحدّثينَ منْ أتباعِ التّابعينَ، إمامُ دارِ الهجرةِ وصاحبُ المذهبِ الفقهيِّ المالكيِّ.
- نافعٌ: وهوَ أبو عبدِ اللهِ، نافعٌ مولى عبدِ اللهِ بنِ عمرَ بنِ الخطّابِ القرشيّ (ت: 116هـ)، وهوَ من كبارِ ثقات المحدّثينَ منَ التّابعينَ وأكثرهمْ روايةً عنْ عبدِ الله بنِ عمرَ.
دلالة الحديث
يشيرُ الحديثُ إلى أدبٍ منْ آداب المجالسِ في الإسلامِ، وهوَ تحريمُ مناجاة الإثنينِ دونَ الثّالثِ إذا كانوا مع بعضهم، وقدْ بيّنَ عليه الصّلاةُ والسّلامُ في شواهدَ أخرى أنّ هذا الفعلَ يُحزنهُ، وقدْ ذهبَ جمهورُ أهل العلمِ إلى أنّ التّحريمَ يذهبُ برضا الآخرِ فقدْ يكونُ في كلامهما مع بعضهما أسراراً بينهما، وأنّ هذا التّحريمُ لكلّ الأزمانِ، وكذلكَ يقاسُ عليه ما فوقَ الثّلاثةِ دونَ واحد، والله تعالى أعلمُ.
ما يرشد إليه الحديث
منَ الفوائدِ منَ الحديث:
- حرصُ الإسلامِ على سمو مجالس المسلمينِ ودعوته إلى نشر المحبّة فيها.
- تحريمُ مناجاة الإثنين دونَ الأخرِ في المجالسِ.