لقدْ جاءَ الإسلامُ مهذّباً للنّّفسِ البشريَّةَ، كما دَعا إلى استقامتها وحثَّ الإنسانَ على القيامِ بأعمالِ خيرٍ ترفعُ منْ شأنِهِ وتسمو بها نفسُهُ، ومنْ رحمةِ اللهِ تعالى وعظَمِ ثوابِهِ أنْ جعلَ هذهِ الأعمالُ صدَقاتُ تُكفِّرُ عنْهُ ويجازَى عليها بالحسناتِ، وسنعرضُ حديثاً في أعمالٍ حثَّ عليها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وجعلها صدَقةً للمرءِ المسلم.
الحديث:
يروي الإمامُ مسلمُ بنُ الحجَّاجِ في الصَّحيحِ: ((حدَّثَنا إسحاقُ بنُ منصورٍ، حدَّثَنا حبَّانُ بنُ هلالٍ، حدَّثَنا أبانُ، حدَّثَنا يحيى، أنَّ زيداً حدَّثهُ، أنَّ أبا سلَّامٍ حدَّثَهُ عنْ أبي مالكٍ الأشعريِّ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (الطَّهورُ شطرُ الإيمانِ، والحمدُ للهِ تمْلاُ الميزانَ، وسُبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ تمْلآنِ ـ أوْ تملاُ ـ مابينَ السَّماواتِ والأرضِ، والصَّلاةُ نورٌ، والصَّدَقَةُ برهانٌ، والصَّبرُ ضياءٌ، والقُرآنُ حُجَّةٌ لكَ أوْعليكَ. كُلُّ النَّاسِ يغدُو، فبايعٌ نَفسهُ فمُعْتقُها أو موبقُها). رقمُ الحديثِ: 223)).
ترجمة رجال الحديث:
الحديثُ يرْويهِ الإمامُ مسلمُ بنُ الحجَّاجِ يرْحَمُهُ اللهُ في الصَّحيحِ، في كتابِ الطَّهارَةِ، بابُ: فضلِ الوضوء، والحديثُ منْ طريقِ الرَّاوي أبي مالكِ الأشعريِّ منَ الصَّحابَةِ رضوانِ اللهِ عليهم، أمَّا بقيَّةُ رجالِ الحديثِ فهمْ:
- إسحاقُ بنُ منْصورٍ: وهوَ إسحاقُ بنُ منْصورٍالكوسجُ التَّميميُّ، منْ رواةِ الحديثِ منْ تبعِ أتْباعِ التَّابعينَ، ووفاتُهُ في 251هـ .
- حبَّانُ بنُ هلالٍ: وهوَ حبَّانُ بنُ هلالٍ الباهليُّ، منْ رواةِ الحديثِ منْ تبعِ الأتْباعِ، ووفاتُه في 216هـ .
- أبانُ: وهوَ أبانُ بنُ يزيدَ العطَّارُ، منْ أعلامِ أتباعِ التَّابعينَ في الحديثِ، ووفاتُهُ في 160هـ .
- يحيى: وهو يحيى بنُ أبي كثيرٍ الطَّائيُّ، منْ أتباعِ التَّابعينَ، ووفاتُهُ في 129هـ .
- زيدٌ: وهوَ زيدُ بنُ سلّامَ الحبشيُّ، منْ رواةِ الحديثِ منْ أتباع التَّابعينَ.
- أبو سلَّامٍ: وهو ممطورُ الأسودُ الحبشيُّ، منْ التّابعين في رواية الحديث.
دلالة الحديث:
يشيرُ الحديثُ إلى أعمال للمرءِ تكونُ صدَقَةً لهُ، مشيراً إلى أهميَّتِها في تقويمِ النَّفسِ وهي:
- الطَّهورُ: وهي كما في الحديثِ نصفُ الإيمانِ، والطَّهورُ بأشكالٍ منْها: الاغْتسالُ والغُسلُ منَ الحدَثِ وإزالَةُ النَّجاسَةِ، وهيَ نصفُ الإيمانِ لأنَّ المؤمنُ طاهرٌ لا يقبلُ النَّجاسَةَ.
- الحمدُ لله: وهيَ شكرُ اللهِ على النِّعَمِ، وهي كما في الحديثِ تملأ الميزانَ، والميزانُ هو ما يكونُ في الميزانِ منْ كفَّةِ الحسناتِ.
- سبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ: وهيَ ما يتقرَّبُ المسلمُ بهِ منَ الأذكارِ، وعدَّها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بعِظَمِها أنَّها تمْلاُ ما بينَ السَّماواتِ والأرضِ.
- الصَّلاة: وهيَ إقامَةَ الصَّلاةِ الّتي تُعتبرُ نورٌ لصاحبها، لأنَّها الطَّريقُ إلى الهدايَةِ.
- الصَّدَقَةُ: وهي ما يتصدَّقُ بهِ المرءُ لوجهِ اللهِ تعالى، وعدَّها الحديثُ برهانُ أيْ: دليلُ على ثبوتِ الإيمان.
- الصَّبرُ: والمقصودُ بهِ حجزُ وحبسُ النَّفسِ عنِ المعاصي والشَّهواتِ، وبهِ يزولُ الضِّيقُ والكُربِ.
- القرآنٌ: والمقصودُ بالقرآنِ تلاوتُهُ وتدبُّرُهُ، فيكونُ للمرءِ دليلُ ومشيرٌ على إلى درجتهِ وقبولِهِ.
ثمَّ يشيرُ الحديثُ إلى أنَّ النَّاسَ يُبكِّرُ في السَّعيِّ أو يغدُو مابينَ الطُلوعِ والشُّروقِ، إمَّا أنْ يكونَ بعملِهِ قدْ تركَ وباعَ نفسَهُ للهِ بالطَّاعَةِ، فيعْتِقُ أي: يُخلِّصُ نفسَهُ منْ شقاءِ الدُّنيا وعذابِ اللهِ في الآخرَةِ، وإمَّا أنْ يقترفَ السَّيئاتِ فيوقعُها في سخطِ اللهِ وعقابِهِ.
ما يرشد إليه الحديث:
منْ الفوائدِ والدُّروسِ في الحديثِ:
- كلُ أعمالِ الخيرِ صدَقةُ للمؤمنِ.
- الإنْسانُ يكثرُ منَ الطَّهورِ والذّكرِ والصَّلاةِ والصَّدَقة.
- المؤمنُ يصبرُ على ملذّاتِ الدُنيا وشهواتِها طاعةً للهِ.
- يكثرُ المؤمنُ منَ القُرآنِ ليكونَ لهُ حجَّةً أمامَ اللهِ.