لقدْ خلقَ الله تعالى المخلوقات جميعها في شكلٍ بديع متكامل، وميّزَ الإنسانَ في خلقه وصورته على باقي مخلوقاته، ولقدْ كانَ لخلقِ الإنسانِ في رحمِ الأمِّ مراحلَ تكوينٍ بيّنها القرآنُ الكريم، ثمّ بينها النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّمَ في كثيرٍ منْ شواهدِ الحديث، وسنعرضُ حديثاً في ذلك.
الحديث
أوردَ الإمامُ مسلمُ بنُ الحجّاجِ يرحمهُ الله في الصّحيحِ: ((حدّثنا أبو بكر بنُ أبي شيبةَ، حدّثنا أبو معاويةَ، ووكيعٌ ح وحدّثنا محمّدُ بنُ عبدِ الله بنُ نميرٍ الهمدانيُّ ـ واللّفظُ لهُ ـ حدّثنا أبي، وأبو معاويةَ ووكيعٌ، قالوا: حدّثنا الأعمشُ، عنْ زيدِ بنِ وهبٍ، عنْ عبدِ الله، قال: حدّثنا رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّمَ وهوَ الصّادقُ المصدوقُ: “إنّ أحدكمْ يُجمعُ خلقهُ في بطنِ أمّه أربعينَ يوماً، ثمّ يكونُ في ذلكَ علقةً مثلَ ذلكَ، ثمّ يكونُ في ذلكَ مضغةً مثلَ ذلكَ، ثمّ يُرسلُ الملكُ فينفخُ فيه الرّوحَ، ويؤمرُ بأربعِ كلماتٍ: يكتبُ رزقهُ، وأجلهُ، وعملهُ وشقيٌّ أو سعيدٌ، فوا الّذي لا إله غيرهُ، إنّ أحدكمْ ليعملُ بعملِ أهل الجنّةِ، حتّى ما يكونُ بينهُ وبينها إلّا ذراعٌ، فيسبقُ عليه الكتابُ؛ فيعملُ بعملِ أهل النّارِ فيدخلها، وإنّ أحدكمْ ليعملُ بعملِ أهل النّارِ، حتّى ما يكونُ بينهُ وبينها إلّا ذراعٌ، فيسبقُ عليه الكتابُ؛ فيعملُ بعملِ أهل الجنّة فيدخلها”)).1/2643.
ترجمة رجال الحديث
الحديثُ المذكورُ يوردهُ الإمامُ مسلمُ بنُ الحجّاجِ النّيسابوريُّ في الصّحيحِ في كتابِ القدرِ، بابُ: (كيفيّة خلق الآدميّ في بطنِ أمّه)، والحديثُ جاءَ منْ طريقِ الصّحابيِّ الجليلِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودِ بنِ غافلٍ الهذليِّ، وهوَ منَ المكثرينَ في رواية الحديثِ منَ الصّحابةِ، أمّا رجالُ السّندِ البقيّة:
- أبو بكرُ بنُ أبي شيبة: وهوَ عبدُ الله بنُ محمّدِ بنِ أبي شيبةَ العبسيُّ (159ـ235هـ)، وهوَ منْ ثقات تبعِ أتباع التّابعينَ في الحديث.
- أبو معاوية: وهوَ محمّدُ بنُ خازمٍ التّميميُّ (113ـ194هـ)، وهوَ منْ أتباع التّابعينَ الثّقات في رواية الحديث.
- وكيعٌ: وهو أبو سفيان، وكيعُ بنُ الجرّاح الرّؤاسيُّ (127ـ196هـ)، وهوَ منْ ثقات المحدّثينَ منْ أتباع التّابعينَ.
- محمّدُ بنُ عبدِ الله: وهوَ محمّدُ بنُ عبدِ الله بن نميرٍ الهمدانيُّ (ت: 234هـ)، منْ ثقات تبع الأتباع.
- أبو محمّدِ بنُ عبدِ الله: وهوَ أبو هشامٍ، عبدُ الله بن نمير الهمدانيُّ (115ـ199هـ)، وهوَ منْ ثقات أتباع التّابعينَ في الحديثِ.
- الأعمشُ: وهوَ أبو محمّدٍ الأعمشُ، سليمانُ بنُ مهرانَ الأسديُّ (61ـ145هـ)، وهوَ منْ ثقات مشاهير المحدّثينَ منَ التّابعينَ.
- زيدُ بنُ وهبٍ: وهوَ أبو سليمانَ، زيدُ بنُ وهبٍ الجهنيُّ (ت: 96هـ)، وهوَ منْ مشاهير المحدّثينَ الثّقات منَ التّابعينَ.
دلالة الحديث
يشيرُ الحديثُ إلى كيفيّة خلقِ الآدميِّ في بطن الأمِّ، وقدْ بيّن النّبيُّ عليه الصّلاةُ والسّلام أنّ ابنَ آدمَ يكونُ في بطنِ الأمّ نطفةً ثمّ يكونُ علقةً ثمَّ يكونُ مضغةً، ثمّ يرسلُ إليه ملكُ منَ الملائكةِ فينفخُ فيه الرّوح ويؤمرُ بكتابة أجله ورزقه وعملهُ وهل هو شقيُّ أوْ سعيد، وكتابةُ ذلكَ يكونُ منْ علمِ الله المسبقِ في عمله بعدَ خلقه قبلَ أنْ يُخلقَ، ثمّ يبيّنُ النّبيُّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ أنّ الأعمالَ بخواتيمها، فمنَ النّاسِ منْ يعملُ بعملِ أهل الجنّة فيزلّ ويدخل النار بخواتيم عمله، ومنهمْ منْ يعملُ بعمل أهل النّار فيتوبُ ويعمل بعمل أهل الجنّة فيدخلها.
ما يرشد إليه الحديث
من الفوائد منَ الحديث:
- عظمُ خلق الله تعالى للإنسان في مراحل تكوينه.
- الأعمالُ بخواتيمها.