لقدْ جاءَ الإسلامُ ليهذّبَ أخلاقَ البشر ويجعلَ بينهمْ مودّةً ورحمةً، ولقدْ شرعَ الإسلامُ الزّواجَ لهذا، وجعلَ بينَ الزّوجينَ علاقةً منَ المحبّة والألفةِ والسّكينة، وجعلَ هذه العلاقةَ قائمةً حتّى بعدَ وفاةِ الزّوجِ، فأوجبَ الحدادَ في عدّة المرأةِ المتوفّى زوجها، وسنعرضُ حديثاً في ذلكَ.
الحديث
أوردَ الإمامُ مسلمٌ يرحمهُ اللهُ في الصّحيحِ: ((وحدّثنا يحيى بنُ يحيى، قال: قرأتُ على مالكٍ، عنْ عبدِ الله بنِ أبي بكرٍ عنْ حميدِ بنِ نافعٍ، عنْ زينبَ بنتِ أبي سلمةَ، أنّها أخبرته هذه الأحاديثَ الثلاثةَ، قال: قالتْ زينبُ: دخلتُ على أمِّ حبيبةَ زوجُ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ حينَ تُوِفيَ أبوها أبو سفيانَ، فدعتْ أمُّ حبيبةَ بطيبٍ فيهِ صفرةٌ؛ خلوقٌ أو غيره، فدهنتْ منهُ جاريةً، ثمَّ مسّتْ بعارضيها، ثمَّ قالتْ: واللهِ ما لي بالطّيبِ منْ حاجةٍ، غيرَ أنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّمَ يقولُ على المنبرِ: “لا يحلُّ لامرأةٍ تؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ تُحدُّ على ميّتٍ فوقَ ثلاثٍ، إلّا على زوجٍ أربعةَ أشهرٍ وعشراً”)). رقمُ الحديث: 58/1486.
ترجمة رجال الحديث
الحديثُ يوردهُ الإمامُ مسلمُ بنُ الحجّاجِ النّيسابوريُّ في الصّحيحِ في كتابِ الطّلاقِ، بابُ: (وجوبُ الإحدادِ في عدّة الوفاةِ)، والحديثُ جاءَ منْ طريقِ أمِّ المؤمنينَ أمُّ حبيبةَ رضيَ اللهُ عنها، وهي رملةُ بنتُ أبي سفيانَ القرشيّةُ، وتروي الحديثَ عنها زينبُ بنتُ أبي سلمةَ المخزوميّة رضي اللهُ عنها، وهما منْ رواة الحديثِ منَ الصّحابةِ، أمّا بقيّةُ رجالِ السّندِ البقيّة:
- يحيى بنُ يحيى: وهوَ أبو زكريا، يحيى بنُ يحيى بنِ بكرٍ النّيسابوريُّ (142ـ226هـ)، وهوَ منْ ثقاتِ رواية الحديثِ منْ تبعِ الأتباع.
- مالكٌ: وهوَ أبو عبدِ اللهِ، الإمامُ مالكُ بنُ أنسٍ الحميريُّ (93ـ179هـ)، صاحبُ المذهب المالكيُّ، وهوَ منْ ثقات المحدّثينَ منْ أتباع التّابعينَ.
- عبدُ الله بنُ أبي بكرٍ: وهوَ أبو محمّدٍ، عبدُ الله بنُ أبي بكرِ بنِ محمّدٍ الأنصاريّ (65ـ135هـ)، وهوَ منْ ثقات الرّواة منَ التّابعينَ.
- حميدُ بنُ نافعٍ: وهوَ أبو أفلحَ، حميدُ بنُ نافعٍ الأنصاريُّ، وهوَ منْ ثقات التّابعينَ في رواية الحديثِ عنِ الصّحابةِ.
دلالة الحديث
يشيرُ الحديثُ إلى حكمْ منْ أحكام عدّة المتوفّى عنها زوجها، وهوَ وجوبُ الإحدادِ، والإحدادُ هوَ النّهيُّ عنْ مسِّ الطّيبِ لمنْ توفّى زوجها فقطْ، أمّا منْ توفيَ غيرُ زوجها فجاءَ النّهيُّ عنْ ذلكَ، والعلّةُ في وجوبِ الإحدادِ هوَ أنَّ الطّيبَ مدعاةُ للنّكاحِ، ولا يجوزُ للمرأةِ في العدّةِ ما يدعو إلى النّكاح في هذه الفترة، وكان فعلُ أمِّ المؤمنين أمُّ حبيبةَ اقتداءَ بما جاءَ منَ النّبيِّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ، واللهُ تعالى أعلمُ.
ما يرشد إليه الحديث
منَ الفوائدِ منَ الحديث:
- النّهيُ عنِ الحدادِ لغير الزّوج.
- وجوبُ الحدادُ للمتوفّى زوجها في العدّة.