لقدْ جعل الله تعالى الحياةَ الدُّنيا مقدِّمةٍ للآخرةِ الّتي سيُسألُ بها الإنسانِ عنْ أعمالِهِ في الدُّنيا، وجعلَ الحياة الدُّنيا دارَ إختبارٍ وابتلاءٍ ليجازى بها في الآخرةِ بالجنَّةِ أوِ النَّارِ، وفي الآخرةِ سيمرُّ على الصراطِ وقبلَ ذلكَ لا بدُ لهُ منَ السُّؤالِ عنْ عدَّةِ أمورٍ، سنعرضها في هذا الحديثِ النَّبويِّ الشَّريفِ.
الحديث:
يروي الإمامُ التِّرمذيُّ يرْحمه اللهُ في السُّننِ: ((حدَّثنا حميدُ بنُ مسعدةَ، قالَ: حدَّثنا حُصينُ بنُ نميرٍ أبو مِحصنٍ، قال: حدَّثنا حُسينُ بنُ قيسٍ الرَّحبيُّ، قالَ: حدَّثنا عطاءُ بنُ أبي رباحٍ، عنِ ابنِ عمرَ، عنِ ابنِ مسعودٍ، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال: (لا تزولُ قدمُ ابنِ آدمَ يومَ القيامةِ منْ عندِ ربِّهِ حتَّى يُسألَ عنْ خمسٍ: عنْ عمرهِ فيمَ أفناهُ، وعنْ شبابهِ فيمَ أبلاهُ، ومالِهِ منْ أينَ اكتسبهُ وفيمَ أنفقهُ، وماذا عملَ فيما علمَ). رقمُ الحديثِ: 2416 )).
ترجمة رجال الحديث:
الحديث المذكور يرويهِ الإمامُ محمَّدُ بنُ عيسى التّرمذيُّ في السُّننِ، في أبوابِ صفةِ القيامة، وحكمُ الحديثِ صحيحٌ، والحديثُ منْ طريقِ الصَّحابيِّ ابنِ مسعودٍ، وهوَ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ الهذليُّ الكوفيُّ، منْ كبارِ المكثرينَ للحديثِ عنْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كما يرويهِ عنهُ عبدُ اللهِ بنُ عمرَ بنِ الخطَّابِ منَ الصَّحابةِ المكثرينَ أيضاً، أمَّا بقيَّةُ رجالِ الحديثِ فهم:
- حميدُ بنُ مسعدة: وهوَ حميدُ بنُ مسعدةَ بنِ المباركِ البصريُّ (ت:244هـ)، وهوَ منْ تبعِ أتباعِ التَّابعينَ في رواية الحديث.
- حصينُ بنُ نمير: وهو حصينُ بنُ نمير الواسطيُّ الكوفيُّ، منْ رواةِ الحديثِ منْ أتْباعِ التَّابعينَ.
- حسينُ بنُ قيسٍ: وهوَ حسينُ بنُ قيسٍ الرَّحبيُّ الواسطيُّ، وهوَ منْ أتباع التَّابعينَ.
- عطاءُ بنُ أبي رباحٍ: وهو عطاءُ بنُ أبي رباحٍ أسلمَ القرشيُّ الفهريُّ (27ـ114هـ)، وهوَ من التَّابعينَ في روايةِ الحديثِ.
دلالة الحديث:
يشيرُ الحديثُ إلى بيانِ أعمالٍ سيُسألُ عنها الإنسانُ قبلَ أنْ يدْخلَ الجنَّةَ أوِ النَّارِ، وما يسألُ عنها ليست محصورةً فيما ذكرها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في الحديثِ، ولكنَّ ما ذكرَ منْ أعظمها، تعظيماً لها، وهي:
- العمرُ فيما عمل به: أي ماذا عمل في حياتِهِ وقضى عمرهُ في الطَّاعةِ أمِ المعصيةِ؟
- الشَّبابِ فيما أمضاه: والشَّبابُ هوَ مركزُ القوَّةِ والشَّهواتِ، فيسألُ عنهُ وعنْ مصارعتِهِ لملذاتِهِ في سبيلِ اللهِ تعالى.
- المال: وأمَّا المالُ فيسألُ عنهُ لتأثيرهِ ولفتنته، فلا يمرُّ على الصِّراطِ قبلَ أنْ يسألّ عمَّا جمَعَ منْ مالٍ في الدُّنيا وأينَ أنْفقهُ، فإذا جمعَ وأنفقَ منَ الحلالِ في طاعةِ اللهِ نجا.
- العلم: والسُّؤالُ عنِ العلمِ يكونُ لمنْ تعلَّمَ، هل عملَ بما علمَ ونشرهُ وهدى النَّاسَ إليهِ أمْ لا.
ما يرشد إليه الحديث:
منَ الدُّروسِ والعبرِ المستفادةِ منَ الحديثِ:
- استغلالُ العمرِ في مرضاةِ اللهِ سبيلُ النَّجاةِ يومَ القيامة.
- وجوبُ الكسبِ الحلالِ وعدمُ الإنفاقِ في غيرِ مرضاةِ اللهِ.
- وجوبُ العلمِ والعملِ بهِ.
- الشَّبابُ فتنةُ لا تقمعُ إلَّا بالعبادةِ وتقوى الله.