لقدْ جاءَ الإسلامُ مهذّباً للنّفسِ البشريّةِ بجملٍ منَ الأحكامِ والآدابِ، ومنها ما كانَ منْ أحكامِ وآدابِ الأطعمةِ والأشربةِ، وقدْ بيّنَ الحديثُ النّبويُّ كثيراً منها، ومنها أنّ النّبيَّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ لمْ يعبْ طعاماً قُدّمَ إليه ولمْ يبيّنْ سوءتهُ مادامَ محلّلاً، وسنعرضُ حديثاً في هذا الأدبِ النّبويِّ.
الحديث:
يروي الإمام البخاريُّ يرحمهُ اللهُ في الصّحيحِ: ((حدّثنا محمّدُ بنُ كثيرٍ، أخبرنا سفيانُ، عنِ الأعمشِ، عنْ أبي حازمٍ، عنْ أبي هريرةَ قال: ما عابَ النّبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ طعاماً قطُّ، إنِ اشتهاهُ أكلهُ، وإنْ كرههُ تركهُ)). رقمُ الحديث:5409.
ترجمة رجال الحديث:
الحديثُ المذكورُ قدْ أوردهُ الإمامُ محمّدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ في الصَحيحِ في كتابِ الأطعمةِ، بابُ: (ما عابَ النّبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ طعاماً)، والحديثُ قدْ جاءَ منْ طريقِ الصّحابيِّ الجليلِ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ، وهوَ عبدُ الرّحمنِ بنُ صخرٍ الدّوسيُّ، منَ أكثرِ الصّحابةِ روايةً للحديثِ النّبويِّ عن النّبيِّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ، أمّا بقيّةُ رجالِ سندِ الحديثِ:
- محمّدُ بنُ كثيرٍ: وهوَ أبو عبدِ اللهِ، محمّدُ بنُ كثيرٍ العبديّ البصريُّ (133ـ223هـ)، وهوَ منَ الثّقاتِ المحدّثينَ للحديثِ منْ تبعِ أتباع التّابعينَ.
- سفيانُ: وهوَ أبو عبدِ اللهِ، سفيانُ بنُ سعيدِ بنِ مسروقَ الثّوريُّ (97ـ161هـ)، وهوَ منْ رواةِ الحديثِ المشهورينَ الثّقاتِ منْ أتباع التّابعينَ.
- الأعمشُ: وهوَ أبو محمّدٍ، سليمانُ بنُ مهرانَ الأعمشُ الأسديُّ (61ـ145هـ)، وهوَ منْ ثقاتِ رواية الحديثِ منَ التّابعينَ عنِ الصّحابةِ.
- أبو حازمٍ: وهوَ سلمانُ أبو حازمٍ الأشجعيُّ الكوفيُّ (ت:100هـ تقريباً)، وهوَ منَ التّابعينَ الثّقاتِ في رواية الحديث.
دلالة الحديث:
يشيرُ الحديثُ إلى أدبٍ منْ آدابِ الإسلامِ في قبولِ النّعمةِ وعدمِ ذمّها، وقدْ بيّنَ الحديثُ النّبويُّ ذلكَ منْ طريقِ الصّحابيِّ الجليلِ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ، وهوَ منَ الملازمينَ النّاقلينَ عنْ سيّدنا محمّد صلّى اللهُ عليه وسلّمَ، ويتمثّلُ ذلكَ في أنّهُ لمْ يردْ عنهُ عليه الصّلاةُ والسّلامُ أنّهُ عابَ وقدحَ طعاماً قطُّ لمْ يشتهيهِ أوْ يطلُبهُ، ويكونُ ذلكَ في الطّعامِ المباحِ أكلُه شرعاً.
وكانَ عليه السّلامُ إذا أعجبهُ ما قُدِّمَ لهُ أكلهُ، وإذا لمْ يعجبهُ تركهُ ولمْ يذمُّهُ، وفي هذا آدبُ منْ آدابِ شكرِ النّعمةِ وحمدِ اللهِ عليها، ومن الأمثلةِ على ذلكَ لحمُ الضّبِ عندما قدِّمَ لهُ عليه الصّلاةُ والسّلامُ ولمْ يحبُّهُ تركهُ وأكلَ منهُ غيرهُ مقرّاً في ذلكَ شرعيّةَ أكلهِ وإباحته.
ما يرشد إليه الحديث:
منَ الفوائدِ منَ الحديث:
- على المسلمِ شكرُ النّعمةِ وأنْ يحمدَ اللهَ عليها.
- علينا الاقتداء بنبّينا محمّدٍ عليه الصّلاةُ والسّلامُ في عدمِ تعييبِ النّعمِ.