أرسل الله تعالى أنبيائه ورسله للعباد، لدعوتهم إلى عبادته، وتعليمهم أمور دينهم، وإرشادهم إلى صلاح أحوالهم في الدنيا والآخرة، لكن راعى الله عز وجل طبيعة خلق الإنسان في الأرض وحاجته للدليل، وذلك لتصديق غير المعتاد في حياته، لذلك جعل لكل نبي دلائل ومعجزات تثبت نبوته، ليُخرج الناس من دائرة الحيرة والظلال، ويقيم عليه الحجة.
مفهوم دلائل النبوة
إنّ أوّل ما يُخاطب به الأنبياءُ الناسَ به، أنهم مبعوثون من عند الله تعالى، وعلى الناس تصديقهم بكل ما يأتون به من شرائع، وأن يُطيعوهم بما يأمرونهم به من أفعال، ويتبعونهم بما يدعون إليه، وينهون عنه، كما خاطب نوح _عليه السلام_ قومه، في قوله تعالى: “إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُون* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ”سورة الشعراء 106-108، وكان هذا خطاب باقي الأنبياء والرسل مع أقوامهم عند البدء بدعواتهم.
وليُقيم الله تعالى الحجة على العباد في تصديق الأنبياء، ويُعين الأنبياء في دعواتهم، أنزل إليهم البراهين والدلائل التي تثبت صدق رسالات أنبيائه ودعواتهم، ولم يكن لأحد بعد ذلك عذراً أو حجة في عدم اتباع الأنبياء وتصديقهم، وطاعتهم والعمل بدعواتهم، حيث قال الله سبحانه وتعالى: “لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ”سورة الحديد 25.
أنواع دلائل النبوة
تنوعت دلائل النبوة التي جعلها الله تعالى؛ لتدل على صدق كل نبي ورسول، وحسب أقوال الباحثين في هذا المجال، فإن دلائل النبوة كثيرة ومتعدد، منها ما تشابهت بين نبي وآخر، ومنها ما كانت مختلفة من نبي لآخر.
وقد حصر المؤلفون دلائل النبوة في مجموعة من الأقسام، يشتمل كل قسم منها على مجموعة متعددة من الدلائل، نذكرها هنا على سبيل الحصر والمعرفة.
أولا: الآيات والمعجزات
والمعجزات هي ما يغلب العادة من الأقوال والأفعال التي يختص بها الأنبياء عن غيرهم من البشر، مثل الكتب السماوية، التي أنزلها الله تعالى على بعض الأنبياء، وكان فيها ملا يقدر عليه أحد من البشر، من الأقوال والحقائق، والأحكام والشرائع.
ومثل بعض الأفعال التي اقترن ذكرها ببعض الأنبياء، كعصا موسى _عليه السلام_، التي حولها لأفعى والتهمت ما جاء به سحرة فرعون، وحادثة الإسراء والمعراج، التي حدثت مع محمد _عليه الصلاة والسلام_، وغيرها الكثير من المعجزات التي أيد الله تعالى بها أنبيائه، وأهمها الإخبار بالأمور الغيبية التي أخبر بها الكثير منهم.
ثانيا: تبشير السابقين من الأنبياء بمن بعدهم
عدّ المؤلفون تبشير الأنبياء السابقين بمن بعدهم من الأنبياء، بأنها دلائل نبوية، تثبت صدق نبوة الأنبياء ورسالاتهم، وعليه فإن تبشير عيسى _عليه السلام_، بمحمد _صلى الله عليه وسلم_ من بعده، كانت من الدلائل التي دلت على صدق نبوة عيسى _عليه السلام_؛ لأنه علّم الناس بأمر غيبي أتٍ، لا يعلم به إلا الله. ثم كان ذلك دليلا على صدق نبوة محمد _عليه الصلاة والسلام_؛ لأن عيسى عليه السلام أخبر به قبل أن يأتي.
ثالثا: خصوصية الأنبياء لبعض الأمور في أحوالهم
اختار الله تعالى أنبيائه ممن خالطوا أقوامهم وعاشروهم، وممن عرف فيهم أقوامهم صفات الصدق والأمانة، فكان لظروف الأنبياء وأحوالهم بين أقوامهم، سبلاً لإثبات نبوتهم، وصدقهم، لأنّ ذلك كان معروفاً فيهم قبل بعثهم للنبوة والدعوة.
رابعا: ما يتعلق بدعوات الأنبياء
لم تكن دعوات الأنبياء خاصة بمصالحهم، أو بظروفهم، وإنما كانت لدعوة أقوامهم، وهدايتهم للاستقامة والصلاح في الدنيا في كافة نواحي حياتهم، للفوز بالآخرة، وكان ذلك ما اشتملت عليه كل الدعوات بشكل عام، رغم اختلاف الأحكام والشرائع، التي راعت أحوال الناس وقدراتهم في الدنيا.
وكان تكامل الرسالات والدعوات، وما دعت إليه من مقاصد، وما جاءت به من أحكام قائمة على قواعد وأسس لتنظيم حياة الناس، ونشر العدل، وإعلاء كلمة الحق في المجتمعات، سبباً في إثبات نبوة الأنبياء.
خامساً: تأييد الله تعالى لأنبيائه ونصرهم
حفظ الله تعالى أنبيائه وأيّدهم بالنصر خلال عملهم في نشر دعواتهم، ومواجهتهم لأقوامهم برسالاتهم، وأرسل عليهم ملائكة السماء لحمايتهم وتثبيتهم، ليُثبت للعباد صدق رسله وأنبيائه. وليبيّن للناس أنه لا يليق به تعالى أن يرى مَن يدّعي النبوة ويأتي بأحكام موضوعة، يحلل فيها ويُحرم باسم الله تعالى، ويُؤيّده على ذلك.
فالله تعالى أيّد أنبيائه ورسله ونصرهم ليدل على أنهم جاؤوا بأمره، وحكمه، وشرعه سبحانه وتعالى، ويُعينهم على الاستمرار في الدعوة إلى ما جاؤوا من أجله، ألا وهو توحيد الله تعالى وعبادته، واتباع أوامره وحكمه في الدنيا، واجتناب نواهيه، للفوز برضاه وجنّته في الآخرة.