تجارة الأراضي المعدة للبناء:
يمتلك بعض الناس الأراضي المعدة للبناء لمنفعة ذاتها، وليس لما ينتج عنها من غلة وأرباح، وتكون بالنسبة لصاحبها موقع للبناء والعقار فقط، ولا يتم زراعتها وتحصيل غلتها، وإن صلحت لذلك، وتعتبر هذه الوسيلة من التجارات ذات المردود المالي والربح الكبير، فضلاً عن أنها من أكثر طرق حماية المال وحفظه وتنميته، لكن من المعروف أن هذه التجارات تحتاج إلى فترات طويلة، قد تمتد لعدة سنوات حتى تحقق الربح المنشود، وقد لا يتحقق نماؤها كل سنة، بسبب ما تحتاجه بعض هذه الأراضي من استصلاحات وتعديلات تحتاج لفترات طويلة، لذلك لا بدّ من تخصيص دراسة تُعنى بموضوع زكاة هذه الأراضي المعدة للبناء.
زكاة الأراضي المعدة للبناء:
تعد ملكية الأراضي المعدة للبناء تجارة بذاتها، ونماء كبير للمال بعد حفظه، ومن المعروف في زكاة عروض التجارة أن يعمل التاجر على تقويم بضاعته كل سنة إذا بلغت الحد المعين للنصاب، ويُخرج ما يترتب عليه من التزامات وديون، ثم يُخرج مقدار الزكاة المفروضة في هذا المال.
لكن قد يختلف الأمر هنا في زكاة الأراضي المعدة للبناء؛ بسبب طول الفترات التي تستغرقها هذه التجارات حتى تحقق النماء والربح المطلوبين، فقد يمر عليه عدة سنوات دون تحقق أي نماء فيها. وإخراج الزكاة عنها بشكل سنوي يشكّل عبئاً مادياً كبيراً على التاجر.
ومثل ذلك إن تم القول بأنه على التاجر أن ينتظر حتى يبيع أرضه ويحصل على نمائها، يقوم يتزكيتها عن السنوات التي مضت عليها في ملكه، فهذا أيضاً يكون عبئاً مادياً على التاجر، وإرهاقاً كبيراً لتجارته.
وللوصول إلى الرأي المناسب في حكم هذه المسألة، علينا باتباع ما جاء به المالكية في مذهبهم من أحكام تتعلق بهذا الأمر، حيث قالوا بأنه على التاجر أن يُخرج زكاة أرضه التي أعدها للتجارة والبناء، مرة واحدة عند بيعها، وبعد أن يقبض ثمنها، وهذا من الأحكام التي تساعد التاجر في الحفاظ على رأس ماله، وإخراج زكاته دون أي تأثير به.
ويعد هذا الأمر مما حرص عليه النبي _عليه الصلاة والسلام_، للتشجيع على العمل والتجارة، وتنمية الأموال، دون أن يخشى أحد من أن تأكل الصدقات أمواله وأرباحه، كما أكد _عليه الصلاة والسلام_ على ضرورة تنمية أموال الأيتام، خشية أن تأكلها الصدقات، وهذا ما عهدناه عن ديننا الإسلامي الحنيف، وما جاء به من فقه ميسّر، يتميّز بالسعة على الناس والحفاظ على مصالحهم في جميع نواحي الحياة.
ولا يعود العجز هنا في بقاء الأرض المعدة للبناء دون نماء على التاجر نفسه، وإنما يعود على الظروف والإجراءات التي تعترض التاجر للوصول إلى نماء أرضه، فهو هنا معذور عن العجز الواقع في ماله، ولا زكاة عليه في أمواله إلّا بعد تحقق النماء، الذي يعتبر أهم شروط وجوب الزكاة في الأموال.