زواج النبي
بعد أن وصلَ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من العمرِ خمساً وعشرين عاماً، وبعدَ قدومهِ من الشام عليه الصلاة والسلام بدأت مرحلةٌ جديدةٌ من حياتهِ عليه السلام وهي مرحلةُ الزواج، حيثُ كانت السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها هي أولُ زوجاتِ الرسول ومن يتقاسمُ معه هذهِ البداية الجديدة من حياتهِ عليه الصلاة والسلام.
زواج النبي من خديجة بنت خويلد
يعودُ نسبُ السيدةِ خديجة أم المؤمنين إلى قبيلةِ قريش، وأبوها هو خويلد بن أسد بن عبد العزّى أحدُ ساداتِ قريش ، أمّا أُمّها فهي فاطمة بنت زائدة ، وكانت تمتلكُ سيدتنا خديجة -رضي الله عنها- العديد من الصّفات الحميدة والكريمة وأيضاً ما تمتلكُ من صفةِ الفِطنةِ ، وكانت في غاية الذكاء وخصوصاً في مجالِ التجارةِ فكانت تعمل في التجارة، وكانت تكتسب ُالمالَ الكثيرَ، وهي أمّ المؤمنين رضي الله عنها كما سمّاها الله هي وجميعُ زوجاتِ النّبي صلّى اللله عليه وسلم في كتابهِ الشريف حيث سمّى الله سبحانه وتعالى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم- بأمّهات المؤمنين في القرآن الكريم، في قوله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ).
زواجُ النبيّ من خديجة رضي الله عنها ، حيث كان يسميها قومها سيدة النِّساء في قبيلة قريش والطاهرة، وذلك لأنّها كانت شديدةَ العفّةِ ، وكانت برّة نقيّة، تمتلك عقلاً واسعاً وحسباً ومالاً كثيراً .
ويذكرُ أنّه لمّا عاد إليها حبيبنا النبي عليه الصلاة والسلام بأرباح مضاعفة لم تتوقها، وأخبرها غُلامها ميسرة الذي كان أحدُ مرافقيهِ في تجارة السيدة خديجه بما رأى في الرسول من خصال وصفات حميدة وكريمة، أُعجبت خديجة رضي الله عنها ، بعظيمِ أمانتهِ وحسنِ أخلاقِ النبيِّ وصدقِ الحديث، ووجدت ضالتها التي كانت تبحث عنها فيهِ، فقد عرفت أنّ النبي رجلٌ لا تستهويه ايُّ حاجةٍ، وأنّه لا يهتم إلى مال ولا إلى جاهٍ ولا جمال.
فقد حدثت رضي الله عنها بما في نفسها وقلبها إلى صديقتها المقربة نفيسة بنت مُنيَة ، فذهبت نفيسةُ إلى النبي عليه الصلاة والسلام وتكلمت معه عن عرض الزواج إلى النبي فعرضت عليه أن يتزوج من السيدة خديجة ، فرضيَ عليه الصلاة والسلام بما قالت. وكان السّفير بينهما غلامها، وقد ذكر أنّهُ من الأسباب التي جعلت خديجة رضي الله عنها ، تعرِضَ نفسها للزواج من رسول الله عليه الصلاة والسلام مع ما أعطاها الله تعالى من الخير فذكرَ أنّه قد رُويّ أنّه كان هناك لنساء قريش عيد يجتمعن في ذلك العيد في المسجد، فاجتمعن يوماً فيه، وبينما هم في الاجتماع ، إذ جاءَ يهودي وقال : يا معشر نساء قريش ؟ إنّهُ يوشكُ فيكنّ نبيٌ قَرُبَ وجوده فأيّتكن استطاعت أن تكون فراشاً له فلتفعل، فحصبنه النساء بالحصباء(ضربنهُ بالحصا) وقبحنه وأغلظن له ، وأغضت رضي الله عنها على قوله ، ووقع كلام اليهودي في نفسها ، فلمّا أخبرها ميسرة من الأيات التي رآها ، وما رأته هي قالت : إن كان ما قال اليهودي حقاً يا ذاك ، أي النبيّ عليه السلام – إلّا هذا.
حيث كانت نفيسة بنت منية تروي قصّة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة رضي الله عنها ، وقد قالت نفيسة: كانت السيدة خديجة امرأةً حازمةً ، قويةً ، شديدةً ، مع ما كانت تملك رضي الله عنها من الكرامة والخير ، وهي يومئذ أوسط قريش نسباً وأعظم النساء في القبيلةِ شرفاً ، وأكثرهم مالاً ، وكل قومها كان يتمنّى الزواج منها ،وقد طلبوها وبذلوا لها الكثير من الأموال، وعندئذ كانت تُرسِلُ صاحبتها دسيساً إلى محمد.
بعد أن رجعَ من الشام بتجارةٍ ، قابلت نفيسة النبي فقالت : “يا محمد ! ما يمنعك أن تتزوّج ؟ قال : وما بيدي ما أتزوج به ، قلتُ: فإن كُفيتَ من ذلك وذهبت إلى الجمال والمال والشرف والكفاْة ألا تجيب ؟ قال : فمن هي ؟ قلت خديجة ، قال: وكيف لي بذلك، قالت: قلت: : عليَّ ، قال : فأنا أفعل” . قالت نفيسة : فذهبتُ إلى السيدةِ خديجة وأخبرتها، فأرسلت إليه : أن ائتِ لساعة كذا وأرسلت إلى عمّ السيدة خديجة عمرو بن أسد ليخطبها، لأن أبى عمها توفي قبل حرب الفجار ، ثمّ إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر أعمامه بذلك ، فأقرّوا له بما قال لهم ، ورضوا السيدة خديجة زوجةً له عليه الصلاة والسلام، فخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب ومعه أيضاً عمُّه حمزة حتى دخلوا على عمها عمرو بن أسد فخطبوا إليه ابنة أخيه، وحضر عقد الخطبة رؤساء مكة.
وقام عمّ النبي أبو طالب فخطب في ذلك العقد فقال: “الحمد لله التي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل ، وجعلنا حَضَنَةَ بيتهِ ، وسواس حَرَمه ، وجعل لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً ، وجعلنا الحكام على الناس ، ثمَّ إنَّ ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزّنُ برجل إلّا رَجَحَ به شرفاً ونبلاً ، وفضلاً وعقلاً فإن كان في المال قلَّ ، فإن المال ظلٌّ زائل ، وأمرٌ حائل ، ومحمد ٌممّن قد عرفتم قرابته ، وقد خطب إليكم راغباً كريمتكم خديجة ، وقد بذل لها من الصداق ما حكم عاجله وآجله اثنتا عشرة أوقية ذهباً ونشّاً ، وهو والله بعد هذا لهُ نبأ عظيم وخطر جليل جسيم”، فكان جوابَ ولي خديجة : هذا البُضعُ لا يُقرَعُ أنفه ، وزوّج خديجة للنبي.
وعندما تزوج النبي محمد عليه الصلاة والسلام كان عمرهُ حين تزوج أم المؤمنين خديجة بنت خويلد آن ذاك خمساً وعشرين سنةً ، وذلك بعد أن رجع من الشام بشهرين وخمسة وعشرين يوماً ، وكانت تبلغ السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها من العمر يومئذ أربعين سنة ، ومن المعلوم أنّ السيدة خديجة رضي الله عنها ، قد تزوجت قبل أن تتزوج النبي برجلين : أولهم هو عتيق بن عائذ، الذي ولدت لهُ عبد الله ، وولدت لهُ جاريةً اسمها هند التي تزوجها ابن عمّها صيفي بن أميّة من بني فولدت لصيفي ولداً اسمه محمداً ، والثاني هو أبو هالة بن مالك من بني تميم، التي ولدت له ولداً اسمه هالة وولداً اسمه هند أيضاً ،وولدت جارية اسمها زينب.