عتاب الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم بشأن الغنائم بعد غزوة حنين

اقرأ في هذا المقال


عتاب الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم بشأن الغنائم:

لقد كان الأنصار ( وهم قبائل الأوس والخزرج ) منذ بيعة العقبة الكبرى وهي حسب التعبير العصري تعتبر المعاهدة العسكرية التي حصلت بين نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم الكريم والأنصار، حيث تعهدوا فيها بحماية النبي محمد صلى الله عليه وسلم الكريم الشريف ما يحمون نساءهم وأنفسهم وأطفالهم.

وقد كان هؤلاء الأنصار دائماً وأبداً هم العمود الفقري لجيش المسلمين والإسلام في أية معركة ضد أي عدو للإسلام، وكانوا هم الذين آووا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وتحملوا مسؤولية حمايته بعد أن هاجر إليهم، مع علمهم بأنهم بذلك يعادون الجزيرة العربية كلها التي كان سكانها يوم ذاك مشرکین معادين للتوحيد.

وعلى موقف الأنصار النبيل هذا إزاء النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم  ومن هاجر معه من أهل مكة المكرمة، أثنى الله سبحانه وتعالى بقوله عز وجل: “وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)”}…..سورة الحشر.

وقال عز وجل في محكم كتابه الكريم:” وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) “…سور الأنفال.

فكان الأنصار كما سماهم الله تعالى أنصار رسوله رضي الله عنه جميعاً الرئيسيين في كل موقف، وكانوا لكثرة عددهم وشدة بأسهم في الحرب يعتبرون مركز الثقل في أي جيش يقوده القائد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي معركة بدر الكبرى التي دخل المسلمون وجيشهم بعدها التاريخ من أوسع أبوابه، كان جيش الإسلام كله ثلاثمائة وثمانية عشرة، من الأنصار وحدهم كان حوالي مائتين وثلاثين محارباً.

وفي جيش الفتح الذي فتح الله به مكة المكرمة، والذي هو عشرة آلاف مقاتل والمكون من أكثر عشرين قبيلة، كانت رجال الأنصار وحدها تشكل نصف هذا الجيش تقريباً، حيث كان عددهم وحدهم فيه أربعة الآلاف مقاتل.

وفي غزوة حنين الحاسمة وعندما انهزم الجيش في المرحلة الأولى وهي مرحلة المواجهة  من القتال، إنّما ناشد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حينما ناشد المسلمين الجيش الرجوع إلى ساحة الشرف والقتال، فأول ما ناشد الأنصار فعادوا إلى ميدان القتال وصاروا القطب الذي دارت مجريات هذه المعركة الفاصلة، والتي انتهت بنصر جيش المسلمين الساحق المدمر على مشرکي هوازن و جيشها وجدتها.

ولكنّ الأنصار الكرام قد عبروا عن استيائهم للعطايا الجزيلة التي أعطيت من غنائم غزوة حنين لبعض زعماء القبائل الحديثي العهد بالإسلام والذين لم يمض على إسلام بعضهم كأهل مكة المكرمة أكثر من شهر.

والذين أعطى كل واحد منهم مائة من الإبل وذلك من النبي الشريف صلى الله عليه وسلم الكريم الهادي الذي لا مكان لحب الدنيا في قلبه، وكان ذلك بدافع الحرص على تألیف قلوبهم وجذبهم نحو دين الإسلام، كما بين هذا الدافع فيما بعد للأنصار عندما قالوا ما قالوا حول هذا الموضوع العظيم.

فقد ذكر المؤرخون وأصحاب الحديث والسير كالبخاري ومسلم: “أن الأنصار لما أجزل النبي صلى الله عليه وسلم العطاء من الغنائم لزعماء القبائل من الأعراب ومن أهل مكة المكرمة وهم حديثو الإسلام، صدر عنهم ما يمكن تسميته عتاباً النبي الله محمد صلى الله عليه وسلم  الأعظم، ولما بلغ هذا العتاب إلى مسامع النبي صلى الله عليه وسلم الكريم الشريف تأثر له كثيراً حتى بدا عليه الغضب واضحاً”.

فقد ذكر المؤرخون وأصحاب الحديث والسير كالبخاری ومسلم: “وكان النبي الشريف صلى الله عليه وسلم يحب الأنصار كثيراً، لذلك استدعى زعماءهم وأجرى بينه وبينهم حوارات مفتوحة صريحة حول ما قالوه، وحول ما كان السبب في عتابهم للذي صنع النبي صلى الله عليه وسلم الكريم الشريف من إجزاله العطاء للمؤلفة قلوبهم”.

فقد ذكر المؤرخون وأصحاب الحديث والسير كالبخاری ومسلم: “وقد شرح النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الكريم الشريف لأحبابه الأنصار ورجالهم وجهة نظره والأسباب التي يجزل العطاء لهؤلاء المؤلفة قلوبهم من زعماء مكة المكرمة وزعماء القبائل الأخرى، فاقتنع الأنصار في تأثر قد بلغ حد البكاء، بشرح وإيضاح نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم الكريم ، حتى أعلنوا رضاهم بما صنع”.

فقد ذكر رواة الحديث وأصحاب المغازي والسير تفاصيل قصة العتاب: “فذكروا أن الأنصار وسادتها الذين لم تكن حصة جندي المشاة منهم من غنائم معركة حنين أكثر من أربع من الإبل، بينما حصل مثل عيينة بن حصن وأبي سفيان ابن حرب وصفوان بن أمية والأقرع بن حابس ، كل واحد منهم على مائة من الإبل ولم تكن له أية سابقة في نصر الإسلام” .

وقد ذکر رواة الحديث وأصحاب السير والتراجم أنّ ما قاله الأنصار في عتابهم لنبي الله محمد صلى الله عليه وسلم الكريم الشريف عمل بهذا الصدد: “لقي النبي صلى الله عليه وسلم الكريم الشريف قومه أما حين القتال فنحن أصحابه ، وأما حين القسم ( أي قسم الغنائم )فقومه وعشيرته، وددنا أن نعلم ممن كان هذا، إن كان هذا من الله صبرنا، وإن كان هذا من النبي صلى الله عليه وسلم الكريم الشريف استعتبناه”.

وقال آخرون من الأنصار حين طفق النبي صلى الله عليه وسلم أعطى رجالاً مائة من الإبل: “يغفر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، يعطی قریشاً ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم”.

وقال آخرون من الأنصار: “والله إن هذا هو العجب إن سيوفنا لتقطر من دمائهم والغنائم تقسم فيهم”.

وفي رواية للإمام البخاري: “قال الأنصار: إذا كانت شديدة فنحن ندعي ويعطي الغنيمة غيرنا”.


شارك المقالة: