علم أساليب القرآن الكريم

اقرأ في هذا المقال


جاء كتاب الله -سبحانه وتعالى- بطرق وأساليب متنوعة، حتى يصل إلى النفس البشرية، لإقناع الجاحد منها وتثبيت المؤمن منها على طريق الدعوة والاهتداء على الطريق المستقيم، فقد جاء القرآن الكريم بالوعيد والترغيب، والترهيب والموعظة الحسنة، فهذه كلها أساليب استخدمها القرآن الكريم حتى يكون حجة على الجاحدين به المنكرين لرسالة النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- ودحر مزاعمهم الباطلة.

أساليب القرآن الكريم

الأسلوب في اللغة: يقال أنه الطريق المستقيم الممتد، وقيل أنه فن.

الأسلوب في الاصطلاح: هي الطريقة الخطابية التي ينفرد بها المتكلم لإيصال ما يريد بألفاظ ومفردات يختارها بعناية.

الأسلوب في القرآن الكريم: هي الطريقة التي انفرد بها القرآن الكريم في الكلام، لا يستطيع أحد أن يأتي بمثلها، وذلك أنه كلام العزيز الحكيم.

والأساليب تختلف من شخص لآخر تختلف باختلاف المتكلمين، وقد استخدمت الأساليب بحسب المتكلم وبحسب ذوقه في الكلام، وقد نجد أن المفردات المستخدمة واحدة، لكن السر في سرد الأسلوب، بل إن القرآن الكريم لم يخرج عن ما كان عليه العرب قبل الإسلام، فقد نزل بلسان العرب مخاطباً إياهم بما هم عليه.

وقد ذكره الله -سبحانه وتعالى- في محكم تنزيله فعز من قائل:“وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ” (سورة فصلت:44)، فهذا دليل واضح على أنه لو نزل بغير لغتهم وأساليبهم، لكان لهم العذر بذلك.

أنواع أساليب القرآن الكريم

1- الأسلوب القصصي: فالقصص في القرآن الكريم، أسلوب يجذب المستمع إليه ويشد انتباهه فهو يعرض قصص واقعية ليست من نسج الخيال، ويكون حقيقة تاريخية ثابتة، يصاغ بطريقة وأسلوب رائع.

2- أسلوب الأمثال: وقد ضرب الله الأمثال في القرآن الكريم لتكون أقرب للفهم ولها وقعها في النفس لإبراز المعنى الحقيقي للقرآن الكريم بصورة رائعة لا يفهمها إلا العاقل قال تعالى: “وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ” (سورة العنكبوت:43).

3- أسلوب المجاز في القرآن الكريم: وقد جاء هذا الأسلوب في القرآن الكريم بكثرة، منها ما تم إسناده إلى ما ليس له أصل لتشبيهه به مثل تشيبه الأم بالهاوية وهي أنها تعطف وتحيط بأبنائها كما في قوله تعالى “وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ(8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ(9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ(10) نَارٌ حَامِيَةٌ(11)” (سورة القارعة:8-11).

4- أسلوب القسم في القرآن الكريم: ذكر القسم في القرآن الكريم لتوكيد الخبر وتحقيقه، حتى أسرع للقبول، وذكر القسم في القرآن الكريم بكثرة منه ما أجراه الله على ألسنة الأنبياء والصالحين، ومنه ما أقسم سبحانه وتعالى فيه.

5- أسلوب الحوار: فقد لا تجد آية في كتاب الله تعالى، إلا وفيها تحاور بين الجاحدين والمكذبين بما أنزل الله وبين أنبيائهم، وهذا أسلوب يجذب المستمع إليه بشغف وكأنه يعيش الآيات في ذاك الزمن.

6- أسلوب التوكيد: وذلك بتوكيد كلام الله -سبحانه وتعالى- إما بالجمع، أو بالتكرار، أو بالتهويل والتعظيم، كما في قوله تعالى: “إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” (سورة الحجر:9)، ففي الآية الكريمة جمع وتوكيد ومبالغة وتعظيم، أو كما في قوله تعالى للتأكيد على أهوال يوم القيامة: “فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا” (سورة الكهف:99)، وقوله تعالى: “دَكًّا دَكًّا” (سورة الفجر:21).

7- أسلوب التكرار: ولأنه فالإعادة الإفادة، فقد تكرر في القرآن الكريم قصص وآيات وأخبار كثيرة، فمثلاً قوله تعالى: “فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ” (سورة الرحمن) ذكرت في هذه السورة لأكثر من ثلاثين مرة، وكقصص الأنبياء منهم نوح وعيسى موسى -عليهم السلام- لأنه قد تذكر القصة في موضع بإيجاز وفي موضع آخر تفصيلاً لزيادة التوضيح.

8- أسلوب الإضافة: وذلك بإضافة شيء لشيء إما لتعظيمه أو للسخرية والتوبيخ، نحو قوله تعالى: “وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا” فقد أضاف الله -سبحانه وتعالى- لفظ الجلالة في الآية الكريمة لتعظيم ما ورد في كتاب الله، وكما في استهزائه وسخريته من الكفار بأنهم دعوا بأن هنالك شركاء لله نحو قوله تعالى: “وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ” (سورة النحل:27).

9- أسلوب التلميح: وذلك بأن يلمح لشيء دون ذكره صريحاً، لغرض أراده الله -سبحانه وتعالى- كقوله تعالى على لسان إبراهيم -عليه السلام-: “وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ” (سورة الشعراء:80) فتأدباً مع الله -عز وجل- لم يذكر أن المرض منزل من الله.

10- أسلوب الاستفهام: فالقرآن الكريم يستفهم ويتساءل ويجيب، لغايات حسب سياقها، وقد جاء الاستفهام في القرآن أيضاً بأساليب منها للتفخيم نحو “عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ” (سورة النبأ:1)، ومنها للاستنكار نحو قوله تعالى: “كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ” (سورة البقرة:28)، ومنها للتعظيم والتهويل نحو قوله تعالى: “مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)” (سورة الحاقة:2-3).

ومنها ما جاء للاستهزاء نحو “أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا” (سورة الأنعام:130)، ومنها ما جاء للمبالغة في طلب شيء لإتباعه أو الانتهاء عنه نحو”فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ” (سورة المائدة:91).

11- أسلوب العِتاب: فقد ورد أسلوب العتاب في القرآن الكريم بمواطن كثيرة منها ما جاء لعتاب أهل الباطل على لسان نبيه نوح -عليه السلام- بقوله: “مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا” (سورة نوح:13)، وعتابه للمؤمنين نحو قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأرْضِ” (سورة التوبة:38)،  وقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ” (سورة الصف:2).

وعتاب الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم لنبي -صلى الله عليه وسلم- كقوله: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ” (سورة التحريم:1)، وعتابه له عند إعفاءه المنافقين من الخروج إلى القتال بقوله: “عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ” (سورة التوبة:43).

12- أسلوب التشبيه: وهو أن يشبه شيء بشيء، حتى يتم إيضاح ما هو المقصود، وحتى تثير العاطفة لدى المتلقي ولتظهر معانيه، كأن يشبه أمواج البحر العاتية والعالية بالجبال لارتفاعها الشاهق، نحو قوله تعالى: “وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ” (سورة هود:42)، ويوجد في القرآن الكريم على أشباه ذلك كثير.

13- أسلوب النداء: أسلوب النداء هو أسلوب يستخدمه جميع الناس، بسبب أنه أسلوب يجذب الانتباه لشيء ما، فكيف إذا ورد ذكره في القرآن الكريم فبذلك يُعلم أنه يجذب الانتباه لشيء عظيم، وجاء أسلوب النداء في القرآن الكريم بنوعين وهما النداء العام مثل (يا أيها الناس) لجميع البشرية مؤمنا وكافراً، أو يا بني آدم لتخص كل من هو من الإنس، أو يا عبادي وهو نداء شامل للجن والإنس العابدون لله -سبحانه وتعالى-.

النداء الثاني الذي ورد في كتاب الله هو النداء الخاص والذي اختص به الله زمرة من خلقه بأن اختص المؤمنين منهم بمقام التشريع بقوله: (يا أيها الذين آمنوا)، أو للكفار بمقام الترهيب والوعيد بقوله: (يا أيها الذين كفروا)، ونداء اليهود والنصارى بأنهم أهل كتاب بقوله: (يا أهل الكتاب).

14- أسلوب التعليل والتفسير: كتبيان شيء وإيضاحه حتى يكون الإقناع بليغاً، بأن يطلب شيء ويبين سبب طلبه من القرآن نفسه كما في قوله تعالى: “وَأَقِمِ الصَّلاةَ” فعلل سبب طلبه بإقامة الصلاة أنها تنهى مقيمها عن السيئات كما في قوله تعالى: “إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ” (سورة العنكبوت:45)، أو في الحض على الزكاة كما في قوله تعالى: “خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً” معللاً ذلك بقوله: “تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا” (سورة التوبة:103).

15- أسلوب الترغيب والترهيب: وهذا الأسلوب خصيصاً ورد ذكره في القرآن الكريم بكثرة لما في من تخويف لعذاب الله وغضبه وترغيب بما عنده من نعيم وجنات كما في قوله تعالى: “وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا” (سورة الزمر:71).

ثم بعدها بآية ورد ذكر المؤمنين بقوله تعالى: “وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ” (سورة الزمر:73).

وفي النهاية القرآن الكريم ذو حكم بالغة ولا شك في ذلك، ويوجد به أساليب عدة يطول الحديث عنها، فعند دارسة كتاب الله -عز وجل- تجد أنه مبني على الأساليب، فعلى كل مسلم أن يتدبر آياته ليفهم مقاصده ومعانيه، ويعرف المخاطب ويعرف نوع الخطاب، ويفهم كلماته، ويرتقي به إلى الدرجات العلى في الدارين الدنيا والآخرة.

المصدر: آداب التلاوة وأخلاق القراء،عبدالعزيز بن سعيد،2017مباحث في علوم القرآن،مناع القطان،2005إجمال البيان في مباحث من علوم القرآن،عبدالله احمد احميد،2016من علوم القرآن،عبدالفتاح القاضي،2020


شارك المقالة: