فقه المولود في اليوم السابع بعد ولادته

اقرأ في هذا المقال


أحكام تتعلق بالمولود بعد ولادته، ولكنها لا تَجب مباشرة بعد الولادة، بل يجوز تأخيرها إلى وقت لاحق وورد لبعض الأحكام استحبابها في اليوم السابع ومنها: العقيقة، حلق شعر الرأس، الختان، التعليم، التسمية والحضانة.

المطلب الأول في فقه المولود العقيقة “النسيكة”:

أكدت الأحاديث النبوية الشريفة مشروعية العقيقة، ومعنى العقيقة في الشريعة الإسلامية هي الذبيحة التي تُذبح عن المولود في اليوم السابع من ولادته، وكره الإمام الشافعي تسميتها عقيقة؛ لأن العقّ في اللغة القطع، وقال بل هي نسيكة أو ذبيحة.

ويفضل أن تذبح العقيقة في اليوم السابع من الولادة، وإلا ففي اليوم الرابع عشر، وإلا ففي اليوم الحادي والعشرين من يوم ولادته، فإن لم يتسير ففي أي يوم من الأيام، ولكن إذا أراد ذبحها أثناء الحمل قبل الولادة فإنها لا تجزئ لتقدمها على سببها.

والعقيقة سنة مستحبة عند المالكية والشافعية والحنابلة، وذهب الحنفية إلى أن العقيقة منسوخة بالأضحية، ولذا فحكمها الإباحة فمن شاء فعل ومن شاء ترك، والذي عليه جمهور الفقهاء استحباب العقيقة عن الذكر والأنثى، وأنها عن الذكر شاتان وعن الأنثى واحدة، وذهب الإمام مالك إلى أن عقيقة الذكر شاة والأنثى شاة، مُستدلاً بالحديث الذي رواه أبو داود في سننه عن ابن عباس- رضي الله عنهما-:  “أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -عق عن الحسن والحسين كبشاً”، يدل الحديث على أن العقيقة للذكر يجزىء فيها شاة واحدة.

وعن أم كرز الكعبية أنها سألت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- عن العقيقة، فقال: “عن الغلام شاتان متكافئتان (شبهاً وسناً) وعن الأنثى واحدة، ولا يضركم ذكراناً كن أو إناثاً” أراد الذبائح. يدل هذا الحديث على أن العقيقة عن الذكر شاتان.

وفي حديث أنس “أن رسول الله عليه السلام ذبح عن حسن وحسين بكبشين” ويستحب أن تكون الشاتان متساويتين، وأن يكون ذبح العقيقة في صدر النهار.

وإنّ الراجح في ذلك: إنّ من أغدق الله عليه من الرزق والإنعام، فليعق عن الذكر شاتين، وعن الأنثى شاة واحدة، لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر المفاضلة بينهما، ومن كانت أحواله المادية في حدود الوسط، أو أقل من الوسط، فيجزئه عن الذكر شاة، وعن الأنثى شاة، وإذا فعل ذلك يكون قد نال الأجر والثواب، متحققاً لسنة النبي عليه الصلاة والسلام. وقد ذهب إلى هذا الرأي الحنابلة استناداً إلى قوله تعالى “لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا”.

والله لا يشق على المعسرين في العقيقة، فمن لم يقدر على أن يعق بكبش أو شاة عقّ بأقل من ذلك على أن يهرق دماً، وروى الإمام مالك أنه قال سمعت أنه يستحب العقيقة ولو بعصفور مبالغة في التيسير على الفقراء، وإحياء للشعيرة.

والعقيقة تتعين على الأب إلّا أن يتعذر بموت، أو امتناع، وإذا تعينت امتنع بيعها وهي جذعة ضأن، أو ثنية مَعز ويشترط فيها ما يشترط في الأضحية كالتالي:

  • من أن تكون خالية من العيوب، فلا يجوز فيها عوراء ولا عجفاء ولا مكسورة ولا مريضة.
  • أن يكون عمرها سنة ودخلت في الثانية.
  • لا يُباع من لحمها شيء، ولا جلدها عند الحنفية، في حين ذهب الحنابلة إلى جواز بيع جلدها ورأسها وسواقطها، ولكن يتصدق بثمنها وكذلك لبنها وصوفها، أو شعرها فتستحب الصدقة به ويأكل الأهل من لحمها ويتصدقون منها ولا يمس الصبي شيء من دمها، وينوي عند ذبحها أنّها عقيقة ويسمى عليها كما يسمى على الأضحية بسم الله عقيقة فلان، ففي رواية سعيد عن قتادة أنه -عليه السلام- قال: “اللهم منك ولك عقيقة فلان بسم الله والله أكبر”.

والعقيقة أفضل من التصدق بثمنها ولو زاد عليها؛ لأنّ في اجتماع الناس حولها إشعار بإقامة شعيرة من شعائر الإسلام، وفيها إعلان عن السنة ونسيكة مشروعة، بسبب تجدد نعمة الله على الوالدين برزقهما هذا الطفل، وفيها إحياء لفداء إسماعيل عليه السلام، الذي فداه إبراهيم عليه السلام بكبش سمين، فصار سنة تسن في أولاده إلى يوم الدين.

ويستحب طبخها وإطعامها للفقراء والمساكين، بنية زيادة شكر نعمة المُنعم، ويُطعم أهله، ولأنه إذا طبخها فقد كفى المساكين والجيران مؤنة الطبخ وهو زيادة في الإحسان وشكر هذه النعمة ويتمتع الجيران والأولاد.

يستحب أن لا تُكسر عظام العقيقة، وهو قول الشافعي وإنما تطبخ جدولًا، وقيل يرخص في كسرها، وهو قول مالك، وهو الأرجح من باب التيسير ورفع الحرج؛ ولأنّ العقيقة طعام كسائر الطعام، وزيادة على أنّ عدم كسر عظمها يحتاج إلى أواني خاصة قد لا تتوافر لعامة الناس، ويستحب أن تعطى القابلة “رجل العقيقة”.

أما من وافق يوم عقيقة ولده يوم الأضحى ولا يملك إلا شاة قال ابن رشد: تكون أضحية؛ لأنّها آكد قيل عنها سنة واجبة، ولم يقل مثل هذا في العقيقة، ولا يجوز أن يجمع فيها الاثنان معا الأضحية والعقيقة بل تكون واحدة منهما وقال الحنابلة إنهما إذا اجتمعا أجزأت عنهما.

أما مَن لم يعق له في صغره هل يستطيع العق عن نفسه في كبره؟ اختلف الفقهاء في ذلك كالتالي:

القول الأول: لا عقيقة عليه، وهو قول الحنابلة، وقد سئل أحمد بن حنبل عن هذه المسألة فقال: ذلك على الوالد يعنى لا يعق عن نفسه لأنّ السنة في حق غيره، ومن الأدلة على ذلك: أنّها مشروعة في حق الوالد، فلا يفعلها غيره كالأجنبي وكصدقة الفطر.

القول الثاني: يعق عن نفسه، قول للشافعية، واستدلوا على ذلك بما يأتي: ما روي عن أنس رضي الله عنه أن النبي- صلى الله عليه وسلم- “عق عن نفسه بعد البعثة”، قال الشوكاني في تفسير قول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: “يُذبح عنه يوم سابعه” قال: فيه دليل على أنّه يصح أن يتولى ذلك الأجنبي كما يصح أن يتولاه القريب عن قريبه والشخص عن نفسه ومن مات قبل سابعه لا يعق عنه، أما من مات بعد سابعه يستحب العق عنه.

القول الثالث: أنّه مخير في العقيقة، واستحسن القفال الشاشي أن يفعلها.

وإنّ الراجح أن يعق الإنسان عن نفسه إذا كبر ولم يعق عنه؛ لأنّها إذا لم تكن عقيقة فهي صدقة وكلاهما خير للمؤمن والتزاماً بسنة النبي عليه الصلاة والسلام.

المطلب الثاني في فقه المولود حلق شعر الرأس ودهنه بالزعفران:

يستحب حَلق رأس المولود في اليوم السابع، والتصدق بوزن شعره فضه على الفقراء والمستحقين إن تيسر ذلك، ويكون الحَلق قبل العقّ عنه.

ويجوز أن يتصدق بوزنه ذهباً، وإن لم يكن له شعر تُمرّر آلة الحَلق على رأسه عملاً بالسنة، فإن لم يحلق رأسه تحرى زنة شعرة ذهباً، أو فضة عن عبد الله بن بريدة، قال: سمعت أبا بريدة، يقول: كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها، فلما جاء الله بالإسلام كنا “نذبح شاة، ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران أو أي نوع من الخلوق، ولا يلطخ بدم العقيقة؛ لأنّها من أفعال الجاهلية؛ ولأنّها أذى وتنجيس.

ولا شك أنّ إزالة شعر المولود تقوية له، وفتح لمسام رأسه، وتقوية لحاسة البصر والشم والسمع، والتصدق بوزن شعره فضة إشارة ورمز إلى شكر الوالدين لما وهبهم الله تبارك وتعالى، فتعود دعوات الفقير عليهم وعلى المولود الجديد بالخير والبركة، وهو ينبوع للتكافل الاجتماعي، وقضاء على الفقر، وتحقيق لظاهرة التعاون والتراحم.

ودليله قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لابنته فاطمة: “يا فاطمة احلقي رأسه – أي الحسن – وتصدقي بزنة شعره فضه” قالت فوزناه فكان وزنه درهما أو بعض درهم”.

يتعلق بالحلق للمولود مسألة القزع:

وهي حَلق بعض رأس الصبي وترك بعضه فقد منعه الإسلام، لما روي عن ابن عمر قال “نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -عن القزع” والقزع أن يحلق بعض رأس الصبي ويدع بعضه، وهذا من كمال محبة الله ورسوله للعدل فإنه أمر به حتى في شأن الإنسان مع نفسه فنهاه أن يحلق بعض رأسه ويترك بعضه؛ لأنه ظلم للرأس حيث ترك بعضه كاسياً، وبعضه عارياً ونظير هذا أنه نهى عن الجلوس بين الشمس والظل فإنه ظلم لبعض بدنه كما نهى أن يمشي الرجل في نعل واحدة بل إما أن  ينعلهما أو يحفيهما معاً.

تثقيب أذن الصبية لأجل تعليق حلي الذهب أو نحوه:

ذهب الشافعية إلى أن تثقيب أذن الصبية؛ لأجل تعليق حلي الذهب أو نحوه، لا يجوز؛ فإن ذلك جرح مؤلم، ومثله موجب للقصاص، فلا يجوز إلا لحاجة مهمة كالفصد والحجامة والختان، والتزين بالحلي غير مهم، فهذا وإن كان معتاداً فهو حرام، والمنع منه واجب، والاستئجار عليه غير صحيح، والأجرة المأخوذة عليه حرام.

وعند الحنفية والحنابلة لا بأس بتثقيب آذان الصبية؛ لأنهم كانوا يفعلونه في الجاهلية، ولم ينكر النبي -عليه الصلاة والسلام- عليهم ذلك، ويكره للصبيان.

وإن الراجح ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة؛ لأن لبس الحلي والتزين بها من الأمور المحببة والمرغوبة للأنثى، قال تعالى”أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ”؛ ولأنه جَرت العادة والعرف بتثقيب أذني الأنثى ولم ينكر هذا، بل أصبحنا نرى في هذا الزمان أكثر من ثقب في الأذن -اثنين أو ثلاثة- لوضع أكثر من حلق في نفس الوقت.

المطلب الثالث في فقه المولود الختان:

 الختان لغة هو قطع الغلفة (أي الجلدة) التي على رأس الذكر، يطلق عليه اسم الختان، وفي الأنثى بقطع جزء من اللحمة الموجودة بأعلى الفرج فوق ثقبة البول تشبه عرف الديك وتسمى البظر فإذا قطعت بقي أصلها كالنواة، وتقليل المقطوع أفضل، ويسمى ختان البنت خفضا.

 عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أنه قال “الفطرة خمس الاختتان والاستحداد (حلق العانة) وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط”.

والختان رأس الفطرة، وشعار الإسلام، وعنوان الشريعة، وفيه اتباع لسنَّة إبراهيم، فأول من اختتن سيدنا إبراهيم – عليه السلام – وكان ابن ثمانين سنة، وتمييز للمسلم عن غيره.

وروي عن أم عطية، وهي امرأة كانت تختن بالمدينة النساء، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تنهكي، فإن ذلك أحظى للمرأة، وأحب إلى البعل”.

حكم الختان:

ذهب الحنفية إلى أن الختان للرجال سنة وهو من الفطرة، وهو للنساء مكرمة، لحديث ابن عباس “الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء” فلو اجتمع أهل بلد على ترك الختان قاتلهم الإمام؛ لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه.

وأما المالكية فذهبوا إلى وجوب ختان الذكر وكراهة الختان للأنثى وذهب الشافعية إلى وجوب الختان للذكر والأنثى معاً، وقال بعضهم هو سنة في الأنثى ومن ولد مختوناً فلا يختن.

وأنّه واجب على الذكور، فهذا أمر لا خلاف فيه، وكراهته للإناث؛ لضعف الأحاديث الواردة فيه.

ويًُسن ختان المولود الذكر في اليوم السابع، ويكره قبل السابع، وإذا كان الصغير ضعيفاً لا يحتمل الختان فيؤخر ختانه إلى ما بعد السابع حتى يحتمله، ويسن إظهار ختان الذكور، وإخفاء ختان الإناث، وذهب الحنابلة إلى أن الأفضل ختانه يوم الحادي والعشرين، فإن فات ترك حتى يشتد ويقوى.

ونص الفقهاء على من تجب أجرة الختان وشراء أدوية وغير ذلك، فذهبوا إلى أنه في مال المختون؛ لأنه لمصلحته، ثم إن لم يكن عنده مال، فهي واجبة على من تلزمه مؤونته.

حكم الغرلة:

وهي ما يقطع في الختان، إنها نجسة؛ لأنها قطعة من حي، فلا يجوز أن يحملها المصلي، ولا أن يدخل بها المسجد، ولا أن تدفن فيه، وقد يفعله بعض الناس جهلاً.

صنع الطعام عند الختان ويسمى الإعذار:

إنَّ صنع الطعام والدعوة إليه في الختان ليس بواجب عند أحد من أهل العلم، ولا بمستحب، وإنما من قبيل الجائز الذي لا يكره تركه، ولا يستحب فعله.

نثر الحلوى واللوز عند رؤوس الصبيان عند الختان وخروج الأسنان:

كره الإمام مالك ما ينثر عند رؤوس الصبيان من لوز وسكر وحلوى عند الختان أو خروج أسنانهم، وفي العرائس فتكون فيه النهبة، لنهي النبي -عليه السلام- “النهبة لا تحل”، أما إذا كان يؤكل دون نهب فجائز، إن النهي متعلق بمعنى النهبة، ولا يتعلق بتقديم الحلوى واللوز والسكر، فإذا قدمت ولم يكن فيها نهبة فلا مانع، وهذا دليل على روعة هذا الفقه الذي راعى العدل حتى في حبة اللوز والسكر.

المطلب الرابع في فقه المولود التعليم:

في العادة نحاول تعليم الطفل النطق بالكلمات بإسماعه الأصوات مثل (غاغا) أو (دادا)، فبدلاً من أن نقول: “غاغا”، أو ما شابه ذلك من ألفاظ نقول: “يا الله”، “يا رب” ونسعى دائماً إلى ترديدها حتى يكون لفظ الجلالة ملامساً لسمعه في كل أوقاته فيحفظه، ويصبح من أوائل مفرداته وعباراته اللغوية.

ثم ترديد الأناشيد الإسلامية التي تتغنى بالإسلام، وبسيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – عند نومه، وعند لعبه وسروره، وإن كان البعض يرى أن هذا العمر لا تعليم فيه، إلا أن هذا العمر فيه تعليم؛ لأنه وكما ذكرنا سابقا ما أكده العلم الحديث من استجابة المولود للأصوات وملاحظته الوجوه، فمن يملك الاستجابة والملاحظة يملك التعلم.

المطلب الخامس في فقه المولود التسمية للمولود:

تسمية المولود من الحقوق التي جعلها الله للوالدين، وأوكلها لهما بأن يخرج المولود إلى نور هذه الدنيا مزوّداً باسم حسن جميل، يتميز به عن غيره ويُدعى به طيلة حياته وبعد مماته، ومن العادات الاجتماعية المتبعة أن يختار الأبوان للمولود اسماً حين يولد، ولقد اعتنى الإسلام بهذه الظاهرة، ووضع من الأحكام ما يشعر بأهميتها والاعتناء بها، إذ حثَّ على أن يُنتقى للطفل من الأسماء أحسنها وأجملها تنفيذاً لما أرشد إليه وحث عليه قال عليه السلام: “إن أحب أسمائكم إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن”.

والله سبحانه بحكمته في قضائه وقدره يُلهم النفوس أن تضع الأسماء على حسب مسمياتها؛ لتناسب حكمته تعالى بين اللفظ ومعناه، كما تناسبت بين الأسباب ومسبباتها، فإنَّ صاحب الاسم الحسن قد يستحي من اسمه وقد يحمله اسمه على فعل ما يناسبه وترك ما يضاده؛ ولهذا ترى أكثر السفل أسماؤهم تناسبهم وكذا وأكثر العلية أسماؤهم تناسبهم أيضا.

وتسنُّ تسمية المولود في اليوم السابع أو في اليوم الأول، مع نصهم على جواز ذلك قبله أو بعده، وعند حدوث النزاع في تسمية المولود، فإن حق التسمية يكون للأب فالولد يدعى لأبيه لا لأمه وذلك مصداقاً لقوله تعالى: “ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ”.

وعن جابر بن عبد الله قال: ولد لرجل منا غلام فأسماه محمداً، فقال قومي، لا ندعك تسمي باسم الرسول- صلى الله عليه وسلم- قال رسول الله: “تسموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي، فإنما أنا قاسم أقسم بينكم” واختار الصحابي الجليل الزبير بن العوام أسماء شهداء الصحابة لأبنائه؛ رجاء أن يسلكوا سلوكهم، فينالوا درجة الشهادة في سبيل الله.

اختيار الأسماء للمولود:

يستحسن أن تُختار الأسماء من ثلاثة مصادر هي:

  • أن يكون الاسم مأخوذاً من أسماء أهل الدين، من الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين، ينوي بذلك التقرب إلى الله (جلَّ اسمه) بمحبتهم.
  • أن يكون الاسم قليل الحروف، خفيفاً على الألسن، سهلاً في اللفظ.
  • أن يكون حسناً في المعنى، ملائماً لحال المسمَّى.

وقد بين النبي عليه السلام الأسماء المكروهة، وندب إلى تغييرها، عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أنه كان لعمر ابنة تسمى عاصية، فأسماها الرسول -عليه الصلاة والسلام- جميلة، وروى سمرة بن جندب عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قوله: “لا تسمين غلامك يساراً ولا رباحاً ولا نجاحاً ولا أفلح فإنك تقول أثم هو؟ فلا يكون”.

قد بين النبي صلى الله عليه وسلم المعنى في ذلك وذكر العلة التي من أجلها وقع النهي عن التسمية بها وذلك أنهم كانوا يقصدون بهذه الأسماء وبما في معانيها أما التبرك بها أو التفاؤل بحسن ألفاظها فحذرهم أن يفعلوه لئلا ينقلب عليهم ما قصدوه في هذه التسميات إلى الضد وذلك إذا سألوا ، فقالوا أثم يسار أثم رباح فإذا قيل لا  تطيروا بذلك وتشاءموا به.

عن علي – رضي الله عنه- قال: لما وُلد الحسن سمَّيته حرباً، فجاء رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قال: قلت حرباً، قال: “بل هو حسن”.

وبين النبي – عليه السلام- بعض الأسماء المحرمة: جاء في صحيح مسلم قول الرسول- صلى الله عليه وسلم- :”إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك”.

المطلب السادس في فقه المولود حضانة المولود: 

الحضانة لغة واصطلاحا:

لغة مشتقة من الحضن، والحضن ما دون الإبط إلى الكشح، وقيل هو الصدر والعضدان وما بينهما، وفي الاصطلاح: هي القيام بحفظ من لا يميز، ولا يستقل بأمره، وتربيته بما يصلحه، ووقايته عما يؤذيه، فالحضانة تربية الطفل وحفظه، وجعله في سرير، وربطه ودهنه وكحله وتنظيفه، بتنظيف أنفه وفيه وأذنيه وعينيه ومخرج البول والبراز، وكذا العناية ببشرته وجلده، تغسيله بالماء الفاتر، غسل ثيابه وغسل خرقه وأشباه، فنظافته دليل على حسن رعاية أمه له، ثم هو دليل على رجاحة عقلها وقوة شخصيتها.

ومن ثم فإنَّ إهمال الطفل دليل على تخلف أمه وجهلها، وبيَّن ابن سينا كيفية غسل المولود في كتابه “القانون في الطب قال: “عند غسل المولود فإنه يؤخذ باليد اليمنى على الذراع الأيسر معتمدا على صدره دون بطنه، ويجتهد في وقت الغسل أن تمس راحتاه ظهره وقدمه ورأسه بلطف وبرفق ثم تنشفه الأم بخرقة ناعمة وتمسحه بالرفق وتضجعه أولا على بطنه ثم على ظهره”.

والإسلام إذ يؤمن للطفل الرعاية البالغة، والكفالة والحضانة ويعتبرها واجبة،وهي لأمه أولا، ثم لمحارمه من النساء، وثبوت الحضانة للنساء أولاً أمر طبيعي، فهن أقدر من الرجال على تعهد الصغير والعناية به في تلك المرحلة، وأعرف وأصبر وأرأف.

حكم الحضانه للمولود:

أنها واجبة؛ لأن المحضون يهلك بتركها، فوجب حفظه من الهلاك، كما يجب الإنفاق عليه وإنجاؤه من المهالك، وتتطلب الحضانة الحكمة واليقظة والانتباه والصبر والخلق الجم، حتى إنه يكره للإنسان أن يدعو على ولد أثناء تربيته، لقوله صلّى الله عليه وسلم : “لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب له”.

الأصل في الحضانة للمولود:

  1. ما روي عن النبي عليه السلام أنه”خرج فتبعتهم ابنة حمزة يا عم يا عم فتناولها علي فأخذ بيدها وقال لفاطمة عليها السلام دونك ابنة عمك احمليها فاختصم فيها علي وزيد وجعفر فقال علي أنا أحق بها وهي ابنة عمي وقال جعفر ابنة عمي وخالتها تحتي وقال زيد ابنة أخي فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال الخالة بمنزلة الأم وقال لعلي أنت مني وأنا منك وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي وقال لزيد أنت أخونا ومولانا”.
  2. ما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما-: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن  ينزعه مني فقال: رسول الله – عليه الصلاة والسلام- “أنت أحق به ما لم تنكحي”. فالحديث يدلُّ على أن الأم هي الأوْلى بحضانة طفلها، فإن تزوجت انتقلت الحضانة إلى المحارم من النساء.

من المسائل الفقهية التي تتعلق بموضوع الحضانة:

  • لمن تكون الحضانة:
    اتفق الفقهاء على أن الحضانة تكون أولاً للأم في حال قيام الزوجية وبعد الفرقة، ثم تنتقل لأمها، ثم اختلف الفقهاء فيمن يأتي بعد ذلك، وكمثال أورد ما اعتمده قانون الأحوال الشخصية الأردني في المادة (170)” الأم النسبية أحق بحضانة ولدها وتربيته حال قيام الزوجية وبعد الفرقة، ثم بعد الأم ينتقل الحق لأمها، ثم لأم الأب، ثم للأب، ثم للمحكمة أن تقرر بناء على ما لديها من قرائن لصالح رعاية المحضون إسناد الحضانة لأحد الأقارب الأكثر أهلية”.
  • حكم بول المولود وكيفية تطهيره:

ذهب الشافعية والحنابلة إلى التفريق بين بول الصغيرة والصغير، وهو الرش من بول الذكر، والغسل من بول الصبية، وذهب الحنفية والمالكية إلى الغسل في الحالين. وأما كون بول الصبي نجساً، فهذا مُجمعٌ عليه.

وعن أم قيس أنها أتت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بابن لها، لم يأكل الطعام، فوضعه في حجره، فبال، فلم يزد على أن نضحه بالماء، والنضح الرش.

وعن عائشة – رضي الله عنها- قالت: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي يرضع، فبال في حجرة فدعا بماء فرشه.

فبول المولود ينضح وبول الجارية يغسل، قال قتادة هذا ما لم يطعما فإذا طعما غسلا جميعا.

وعن أم الفضل لبابة بنت الحارث قالت بال الحسين بن علي في حجر النبي – صلى الله عليه وسلم- فقلت يا رسول الله أعطني ثوبك والبس ثوبا غيره حتى أغسله فقال: “إنما ينضح من بول الذكر ويغسل من بول الأنثى”.

والعلة في التفريق بين الغلام والجارية في المعنى تتمثل بالآتي: 

  • أولاً: أنَّ بول الغلام يتطاير وينتشر هنا وهناك فيشق غسله وبول الجارية يقع في موضع واحد فلا يشق غسله.
  • ثانياً: أن بول الجارية أنتن من بول الغلام؛ لأنَّ حرارة الذكر أقوى وهي تؤثر في إنضاج البول وتخفيف رائحته.

وفي هذا دلالة واضحة على أن الفقه الإسلامي فقه مقاصدي، يراعي مصلحة الأمة، برفع الحرج عنها، لذا فرق بين بول الصبي والجارية.

  • حكم القيء من الرضيع:

هذه المسألة مما تعم به البلوى وقد علم الشارع أن الطفل يقيء كثيراً، ولا يمكن غسل فمه، ولا يزال ريقه ولعابه يسيل على من يربيه ويحمله، ذهب الحنفية إلى طهارة قيء الصبي ساعة ارتضاعه وعند المالكية إذا خرج من القيء بمنزلة الطعام فهو طاهر، وما تغير عن حال الطعام فهو نجس، وذهب الشافعية إلى أنه من ابتلي بالقيء عفي عنه في ثوبه وغيره وإن كثر، وريقه طاهر حتى تتيقن نجاسته، وعند الحنابلة فهذا من النجاسة التي يعفى منها للمشقة والحاجة وريق الطفل يطهر فمه للحاجة.

  • حكم لمس عورة الطفل أثناء غسله وهل يبطل الوضوء؟

اللمس بباطن الكف ذهب الحنفية، الشافعية والحنابلة، إلى أنه ناقض للوضوء، إلا أن يكون المس بحائل، أو برؤوس الأصابع فلا ينقض. وذهب المالكية إلى أن الأمر مرتبط باللذة والشهوة فإذا انتفت فلا وضوء.


شارك المقالة: