اقرأ في هذا المقال
روى البخاري عن عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: خذوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود وسالم ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب” أي: تعلموا منهم، والأربعة المذكورون اثنان من المهاجرين وهما المبدوء بهما، واثنان من الأنصار، وسالم هو ابن معقل مولى أبي حذيفة، ومعاذ: هو ابن جبل.
وليس معنى هذا أن هؤلاء فقط هم الحفاظ بل هناك غيرهم مثلهم، وفي الصحيح في غزوة بئر معونة، أن الذين قُتلوا بها من الصحابة كان يُقال لهم، القراء، وكانوا سبعين رجلاً.
روى البخاري عن قتادة قال: سألتُ أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله؟ فقال: أربعة كلهم من الأنصار، أبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قلت: من أبو زيد؟ قال أحد عمومتي (صحيح البخاري ).
وروى أيضاً عن أنس بن مالك قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد، قال المازري: لا يلزم من قول أنس: لم يجمعه غيرهم، أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك، لأن التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه، وإلا فكيف الإحاطة بذلك مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلاد! وهذا لا يتم إلا إن كان لقي كل واحد منهم على إنفراده، وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا في غاية البعد في العادة.
وإذا كان المرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك، قال: وتمسك بقول أنس هذا جماعة من الملاحدة ولا متمسك لهم فيه فانا لا نسلم حمله على ظاهره، فإن سلمناه لا يلزم من كون كل من الجم الغفير لم يحفظه كله، ألا يكون حفظه مجموعة الجم الغفير، وليس من شرط التواتر، أن يحفظ كل فرد جميعه، بل إذا حفظ الكل الكل ولو على التوزيع كفى.
وقال القرطبي مشيراً إلى كثرة القراء من الصحابة:“قد قُتل يوم اليمامة سبعون من القراء، وقُتل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ببئر معونة مثل هذا العدد”
الثاني: وقيل: المراد لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بها إلا أولئك.
الثالث: وقيل: لم يجمع ما نُسخ منه بعد تلاوته وما لم ينسخ إلا أولئك.
الرابع: وقيل: أن المراد بجمعه، تلقيه من فم رسول الله عليه الصلاة والسلام لا بواسطة بخلاف غيرهم.
الرابع: وقال جماعة من العلماء: المراد بجمع السمع والطاعة له، والعمل بموجبه، وقد استدل أصحاب هذا القول، بما رواه أحمد في الزهد من طريق أبي الزاهرية، أن رجلاً أتى الدرداء، فقال: إن ابني جمع القرآن، فقال: اللهم غفراً، إنما جمع القرآن من سمع وأطاع.
وقد أنكر ابن حجر هذه الأقوال وقال: وفي غالب هذه الاحتمالات تكلف ولا سيما الأخير، ثم قال: وقد ظهر لي احتمال آخر وهو “أن المراد إثبات ذلك للخزرج دون الأوس فقط فلا ينفي ذلك عن غير القبيلتين من المهاجرين لأنه قال: ذلك في معرض المفاخرة بين الأوس والخزرج كما أخرجه ذلك ابن جرير من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال: افتخر الحيان، (الأوس والخزرج) فقال الأوس: منا أربعة من اهتز له العرش سعد بن معاذ ومن عدلت شهادته رجلين خزيمة بن ثابت ومن غسلته الملائكة، حنظلة بن أبي عامر، ومن حمته الدبر، عاصم بن أبي ثابت، فقال الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه غيرهم فذكرهم .
قال جلال الدين السيوطي: والذي يظهر من كثير من الأحاديث أن أبا بكر كان يحفظ القرآن في حياة رسول الله ففي الصحيح أنه “بنى مسجدا بفناء داره، فكان يقرأ فيه القرآن، وهو محمول على ما كان نزل منه إذ ذاك قال: وهذا مما لا يرتاب فيه مع شدة حرص أبي بكر على تلقي القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم، وفراغ باله له وهما بمكة، وكثرة ملازمة كل منهما للآخر حتى قالت عائشة: إنه كان يأتيهم بكرة وعشيا، وقد صح حديث يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وقد قدمه في مرضه إماما للمهاجرين، والأنصار فدل على أنه كان أقرأهم انتهى .
أما من اشتهر بتعليم الناس القرآن من الصحابة فسبعة” علي والخليفة الثالث سيدنا عثمان ، وأُبي بن كعب، وابن مسعود، أبو موسى، وسيدنا زيد بن ثابت، كذلك أبو الدرداء، و رضوان الله عليهم “ كذا ذكرهم الذهبي في طبقات القراء، ومنهم أبو هريرة، وابن عباس، وعبدالله بن السائب.