كثرت القصص ذات العبر والدروس المختلفة والتي تعتبر من القصص الرائعة، حيث أنَّ هذه القصص تعود للأحداث التي كانت تحصل مع الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، ففي هذا المقال سوف نتناول جرأة أحد التابعين التي أبكت خليفة المسلمين.
قصة الصحابي الذي الذي كان جريئا ومتواضعا
وهو أحد التابعين الذي ولد في اليمن، وهذا في أثناء عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي يُعد ثالث الخُلفاء الراشدين، حيث ولد بالتحديد في العام السابع والعشرين وهذا من الهجرة، ومن صفاته رضي الله عنه أنَّ كان شديد السواد، كما وأنَّه كان يُعاني آنذاك وهذا من عوار بالعين، وكذلك العرج في حركته، وكان أيضاً أحد رواة الحديث النبوي الشريف.
وعلى الرغم من هذا فإنَّ تلك المُشكلات كافة لم تمنع هذا التابعي من أن يتبحر في العلم وهذا بعدما اعتنق الدين الإسلامي الحنيف، حتى أنَّه أصبح أحد أهم التابعين الفقهاء؛ وهذا على اعتبار أنَّه تتلمذ وهذا على يد حبر الأمة عبدالله بن عبّاس، وكذلك على يد عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.
ألا وهو التابعي الجليل عطاء بن رباح رضي الله عنه، حيث أنَّه كان مشهوراً وهذا بالإقامة بشكل دائم بالمسجد الحرام، حيث أنَّه لم يُفارقه بتاتاً إلّا بغية اكتساب العلم، كما وعُرف عنه بأنَّه كان ملاصقاً للصحابي أبو هريرة رضي الله عنهما، كما وأنَّه قد عمد إلى نهل العلم من أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، وهذا بشكل قد أكسبه جرأة لا يوجد لها مثيل بتاتاً، حيث أنَّه لم يخشَ أن يقول الحق لومة لائم.
الجرأة في قول الحق قد جعلت التابعي عطاء بن رابح رضي الله عنه يدخل في الكثير من المواجهات وهذا مع أولي الأمر، وهذا لا سيما وأنَّه رضي الله عنه كان مشهوراً وهذا في عمده إلى طلب استرداد الحقوق، وهذا مهما علا شأن ومكانته الي يطلب منه أية حاجة مع الوضع، وهذا على اعتبار أنَّ تلك الحقوق التي كان يطلبها ابن رباح كانت عبارة عن حقوق عامة ويرأسهم أهل مكة المكرَّمة وكذلك المدينة المنورة.
وفي أحد المرَّات دخل التابعي عطاء بن رابح رضي الله عنه إلى مجلس خلافة هشام بن عبدالملك الأموي، حيث أنَّه قد رحَّب به وسأله عن الذي يُريده، حيث يُذكر أنَّ الذين كانوا في المجلس صامتين، وهنا قد بدأ رضي الله عنه الحديث مع الخليفة الأموي حيث كان يقول حينها عطاء: “حئت أذكرك، بإعطاء أرزاق أهل الحرمين”، فأمر حينها غلامه بأن يكتب، وهذ لأهل المدينة المنورة وأهل مكَّة المكرمة الأرزاق التي تخصهم، ومن ثم عمد هشام بن عبدالملك بسؤال عطاء بن رباح عن أتَّ له حاجة أخرى يُريدها أم لا.
تابع عطاء بن رباح الحديث مع الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك، حيث أنَّه حينها قد طلب منه بأن يُعطي الأرزاق لأهل الحجاز أيضاً، وكذلك أهل كل من نجد والثغور ذات الحقوق التي قد أعطاها لأهل المدينة المنورة ومكة المكرمة.
ففعل الخليفة هشام بن عبدالملك ما طُلب منه من قِبل عطاء، كما وذكر حينها بأن يُعطي أيضاً لأهل الذمة وأخبره حينها بأن لا يعمد إلى أن يشق عليهم وهذا بما لا يُطيقونه، ومن ثم قبل أن ينصرف أخبره أن يتقِ الله تعالى وهذا في ذاته، فإنَّه قد خلق وحده ويموت وحده ويُحاسب وحده.
ويُذكر بأنَّ مطالب التابعي الجليل عطاء بن رباح من هشام بن عبدالملك قد دفعت أمير المؤمنين لأن يبكي وهذا خوفاً من أن يكون قد أغضب الله تعالى، أو أنَّه قد وقع في ظلم الرعية، وهذا الأمر قد دعا لأن يلحق بعطاء أحد الرجال آنذاك بعدما انصرف، وأعطا الرجل الذي لحق به كيساً يتواجد به العديد من الدنانير والدراهم،
وعلى الرغم من هذا إلّا أنَّ عطاء بن ربح لم يأخذ ذلك الكيس، وحينها قال رضي الله عنه: “وَمَآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ”،ومن ثم خرج عطاء ولم يحتسِ عندهم ولو شربة ماء.
بلغ التابعي الجليل عطاء بن رباح وهذا من العِلم تلك الدرجة المرتفعة جداً، حيث أنَّه كان يجلس ويعمد إلى أن يجمع الفتية وهذا حوله، هذا بعد وفاته عبدالله بن عبّاس حبر الأمة، حيث أنَّه كان يُعلمهم من علمه، وعندما أتى مكة المكرمة ابن عمر قال لهم حينها بشكل مستنكر: أتجمعون لي يا أهل مكة، وفيكم عطاء بن رباح.
وعلى الرغم من جرأة التابعي عطاء بن رباح إلّا أنَّ الله سبحانه وتعالى قد منَّ عليه بفضيلة التواضع، حيث يُذكر أنَّه ذهب أحد من التابعين وكان حينها يُدعى “بن ليلى” إلى إليه وهذا وهو في مجلسه، فبقي التابعي الجليل يسأله وكذلك يعمد إلى استشارته، من حوله قد استنكر ذلك، كما وأنَّهم سألوه كيف يسأل بن ليلى، فأجابهم حينها بأنَّه هو أعلم منه بالذي يسأله، وهكذا كان التابعي الجليل رمزاً للتواضع كما وكان أهلاً له كذلك.
عِلم التابعي الجليل عطاء بن رباح وكذلك وقفه إلى جانب كل من تواضعه وجرأته في المطالبة بالحق، لم تدفعه رضي الله عنه للركون، بل أنَّها أسهمت وهذا في زيادة درجة خوفه رضي الله عنه من الله عزَّ وجل، ففي أحد المرَّات وجه له عبدالعزيز بن رفيع سؤال وهذا فيما يخص أحد الأمور، فحينها قد أجابه عطاء بأنَّه لا يستطيع أن يُجيب عليه؛ وهذا لأنَّه لا يعرف الإجابة، فاستنكر حينها عبدالعزيز هذا الأمر، وسأله عن رأيه، فقد أجابة بن رباح رضي الله عنه، بأنَّه يخجل من الله سبحانه وتعالى بأن يُدان في الأرض وهذا على حسب رأيه.
وبعد المسيرة الحافلة من التواضع والجرأة في المطالبة بالحقوق قد لقي رضي الله عنه ربه سبحانه وتعالى، حيث أنَّه قد توفي في عام مائة وأربعة عشر من الهجرة، وفي مصادر أخرى يُذكر بأنَّه قد توفي في عام مائة وخمسة عشر للهجرة، كما وأنَّه كان يملك من متاع الدنيا سوى فراش له كان في المسجد الحرام، الذي كان يعتبر مكان إقامته، حيث أنَّه بقي داخله إلى أن توفاه الله عزَّ وجل.
وهذه هي قصة ذلك التابعي الذي كان لا يخاف من أي أحد مهما كان منصبه عالٍ وكبير من أن يُطالب بحقوق الناس آنذاك ولم يمنعه ذلك، والذي كان تمتع بصفة الجرأة والتواضع معاً.