تتواجد الكثير من القصص التي تتحدث عن سير التابعين والصحابة رضوان الله عليهم، ومن بين تلك القصص هي قصة التابعي مالك بن دينار رضي الله عنه الذي أنقذه حبه لابنته من النار، وفي هذا المقال سوف نتناول ذكرها.
ما هي قصة مالك بن دينار الذي أنقذه حبه لابنته من النار
يُعدُّ مالك بن دينار رضي الله عنه أحد الأئمة التابعين، حيث أنَّه ولد في زمن عبدالله بن عبَّاس حبر الأمة، كما وتوفي رضي الله عنه في سنة مائة وسبعة وعشرين للهجرة، كما وكان يشتهر بالعديد من المميزات ومن أهمها أنَّه كثير الزهد والورع، حتى أنَّه كان يُضرب به المثل في تلك الأمور، كما وتعتبر قصة توبة مالك بن دينار من أشهر القصص التي تخص التوبة، كما وكانت من أكثرها تأثيراً أيضاً، حيث أنَّ الرحمة بالبنات هي باب هدايته رضي الله عنه، وهذا بعدما كان لا قدر على مفارقة شرب الخمر.
والسبب في توبته رضي الله عنه هي رؤية طفلته تلك الصغيرة والتي كان يُحبها كثيراً وكان رحيماً بها أيضاً، وهذا بعد أن شاهدها في منامه وكانت تدافع عنه وكانت تطلب منه أيضاً أن يتوب إلى الله عزَّ وجلّ، فكان هذا الأمر هي نقطة التحول التي جرت لحياته رضي الله عنه، كما وجعله أيضاً قدوة السالكين وهذا في طريق يتطلب الكثير من الجهاد ذو الطابع النفسي وجهاد الهوى أيضاً، إلى جانب الاستطاعة على تخطي العبودية وهذا فيما يخص شهوات الدنيا وملذاتها أيضاً.
والحادثة هي: يقول أنَّه في أحد الأيام اشتاق لأن يتزوج وأن يكون لديه طفل، فيقول أنَّه قد تزوج، وأنجب رضي الله عنه طفلة أسماها فاطمة، حيث أنَّه قد أحبها حباً شديداً، وكُلما كَبُرت فاطمة قد ازداد الايمان وهذا في قلبي، كما وقلَّت أيضاً المعصية كذلك، ويقول أنَّه كُلما رأته ابنته فاطمة يمسك كأساً من الخمر لكي يشربه أتت إليه لكي تبعده عنه، وهذا على الرغم من أنَّها لم تُكمل من عمرها السنتين، وكأنَّ الله تعالى يجعلها تفعل هذا الأمر.
وبقي على تلك الحال إلى أن توفيت ابنته فاطمة التي كانت في سن ثلاثة سنوات من عمرها، حيث أنَّ لوفاتها كان له الأثر الكبير في حياة التابعي مالك بن دينار رضي الله عنه، حيث أنَّه لم يكن لديه من الإيمان ما يجعله يصبر وهذا على ذلك الابتلاء الكبير وهذا من فقدان طفلته، الذي كان يُحبها ذاك الحب الشديد والكبير جداً، حيث أنَّه لم يتخيل فراقها في أحد الأيام.
وعندما توفاها الله تعالى انقلبت حياة مالك بن دينار رأساً على عقب رضي الله عنه، حيث أنَّه قد عاد بشكل أسوأ من ذي قبل، وكان الخمر لا يُفارقه بتاتاً، إلى أن أتى ذلك اليوم الذي قال فيه شيطانه له: “لتسكرنَّ اليوم سكرةً ما سكرت مثلها من قبل”.
فيقول رضي الله عنه أنَّه عزم على أن يسكر وأن يشرب الخمر وأنَّه قد بقي طوال الليل يشرب كأساً تلو الآخر، فبدأت الأحلام تأتي إليه، إلى أن رأى تلك الرؤيا، وهي أنَّه كأنَّه يوم القيامة وأنَّ الشمس قد أظلمت، وأنَّ الأرض قد زُلزِلت والبحار تحولت إلى نار، وكان الناس أفوجاً أفواجاً مجتمعين إلى يوم القيامة، وكان رضي الله عنه من بين هؤلاء الناس، وكان يسمع المُنادي يُنادي ويقول: “فلان ابن فلان هلمَّ للعرض على الجبَّار”.
فأرى فلاناً وقد صار وجه أسود شديد السواد؛ وهذا من شدَّة الخوف، وبقي هكذا إلى أن سمع المنادي يُنادي بإسمه ويقول له تعال من أجل العرض على الجبَّار، فيقول أنَّ البشر والناس قد اختفوا من حوله، وكأنَّه لا يوجد أحد في أرض المحشر سواي، ويقول رضي الله عنه أنَّه قد رأي ثعبان كبير وقوي يأتي نحوه جرياً وكان فاتحاً فمه حينها، ويقول أنَّه جرى وهذا من شدَّة الخوف، وحينها قد وجد رجلاً عجوز وضعيف فقال: قلت حينها: آه أنقذني من هذا الثعبان فردَّ عليه العجوز وقال له: “يا بني أنا ضعيف لا أستطيع ولكن اجرِ في هذه الناحية لعلَّك تنجو”.
فيقول أنَّه جرى في الناحية التي دلَّه عليها العجوز، فرأى النار تلقاء وجهه، فقال حينها: أأهرب من الثعبان أو أسقط في النار؟ فعاد بشكل مسرع يجري وكان الثعبان يجري من وراءه وكان يقترب منه حينها، فعاد للرجل العجوز والضعيف وقال له: “بالله عليك أنجدني وأنقذني”.
فبكى العجوز رأفةً بحاله رضي الله عنه، وقال له: “أنا ضعيف كما ترى لا أتطيع فعل شيء ولكن اجرِ اتجاه ذلك الجبل، لعلَّك تنجو”، ويقول مالك أنَّه جرى في اتجاه الجبل الذي دلَّه عليه العجوز وكان الثعبان سيخطفه، ويقول رضي الله عنه أنَّه قد رأى على الجبل أطفال صغار فسمع أطفال يصرخون ويقولون: “يا فاطمة أدركِ أباكِ أدركِ أباكِ”.
فقال: فأدركت أنَّها ابنتي فقال: ففرحت أنَّ لي ابنه عمرها ثلاثة سنوات سوف تنجدني من هذا الموقف، فأخذته بيده اليمنى وقامت بدفع الثعبان حينها بواسطة يدها اليُسرى، ويصف حاله بأنَّه كان كالميت وهذا بسبب الخوف الشديد الذي كان عليه رضي الله عنه، ومن ثم يقول أنَّها قد جلست في حجره كما كانت تجلس في الدنيا في حجره، وقالت له آنذاك: يا أبتِ ” أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ”.
فقال لها: “يا بنيتي: أعلميني عن ذلك الثعبان، فقالت له حينها بأنَّ الثعبان هو عمله السيء وأنتَ قد كبرته ونميته كذلك، إلى أنَّه كاد أن يأكلك”، وقالت له أيضاً: “أما علمت يا أبتِ أنَّ الأعمال في الدنيا تعود مجسمة؛ أي كما هي، يوم القيامة؟
أمَّا عن ذلك الرجل العجوز يا أبتِ هو العمل الصالح وأنت الذي أضعفته وأوهنته إلى أن بكى حالك؛ هذا لأنَّه لا يستطيع أن يصنع لنفسك شيئاً، وقال له أيضا: لولا أنَّك أنجبتني ولولا أنَّي متُ صغيرة ما كان هنالك شيء ينفعك.
وعندما انتهى حلم مالك بن دينار رضي الله عنه يقول أنَّه استيقظ وهو يصرخ وقال: “قد آنَ يا رب قد آنَ يا رب، نعم: “أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ”، ويقول رضي الله عنه أنَّه اغتسل وخرج بغية أداء صلاة الفجر؛ وحينها كان يُريد التوبة إلى الله تعالى، والرجوع إلى الله عزَّ وجل، ويقول أنَّه عندما دخل إلى المجسد وجدَ الإمام يقرأ ذات الآية “أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ” صدق الله العظيم.