كفارة الصّيام وأحكامها

اقرأ في هذا المقال


كفارة الصّيام: وهي من وجبت عليه الكفارة أي “أجبر عليها” كعتق رقبة إذا وجد، فإنّ لم يستطيع فعليه بصّيام شهريين متتاليين، وإن لم يقدر فيجب عليه إطعام ستينَ مسكيناً، ويعتبر الطعام والشراب والجماع عامداً في نهار رمضان من موجبات الكفَّارة في الصّيام، واختلف العلماء في وجوب الكفَّارة في حال الأكل والشُّرب عمداً، منهم من أوجب الكفارة في حال تعمَّد الأكل والشرب، ومنهم من قال بعدم وجوبها .

وتقسم كفَّارة الصّيام إلى ثلاثة: عتق، وصيام، وإطعام، مثل كفارة الظِّهار، والقتل الخطأ في الترتيب عند الجمهور، فإنّ عجز عن عتقُ الرَّقبة فعليه صيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع صومهما أطعم ستين مسكيناً.
والإطعام عند المالكيَّة أفضلُ الخصال، والكفارة واجبة عندهم على التخيير لا على الترتيب .
قال الشوكاني: في حديث أبي هريرة دليل على أنَّه يجزئ التكفير بواحدة من الثلاث خصال، وظاهر الحديث أيضاً أنَّ الكفَّارة بالخصال الثلاث على الترتيب.
قال البيضاوي: لأنَّ ترتيب الخصال بالفاء. وأضاف الشوكاني قائلاً: وقد وقع في الروايات ما يدلُّ على الترتيب والتخيير، والذين رووا الترتيب أكثر، ومعهم الزيادة، فيكون دليل المالكيَّة العمل برواية أخرى فيها التخيير.
والخلاصة: إنَّ الكفَّارة مرتبَّة في رأي الجمهور، وقال المالكية: الكفارة واجبة في ثلاثة أنواع على التخيير، إمَّا إطعام ستين مسكيناً وهو الأفضل، أو صيام شهرين متتابعين، أوعِتق رقبة.
فالعتق: هو تحرير رقبة مؤمنة عند الجمهور غير الحنفيَّة: وأن تكون سليمة من العيوب أي عيوب فوات منفعة البطش والمشي والكلام والنَّظر والعقل، قياساً في اشتراط الإيمان على كفَّارة القتل الخطأ .

والصّيام عند العجز عن عتق الرَّقبة: يكون صيام شهرين متتابعين، ليس فيهما يوم عيد، ولا أيام التشريق، ولا يجزئه الصوم إن قدر على العتق قبل البدء بالصوم، فلو قدر على العتق في أثناء الصَّوم ولو في آخر يوم، لزمه العتق عند الحنفية، ولم يلزمه عند الجمهور الانتقال عن الصَّوم إلى العتق، إلَّا أن يشاء أن يعتق، فيجزئه، ويكون قد فعل الأولى أي يندب له عتق الرَّقبة. فلو أفطر ولو لعذرٍ إلَّا لعذر الحيض استأنف عند الحنفيَّة الصوم من جديد، ويستأنف الصوم عند المالكيَّة إن أفطر متعمداً.
ولا يستأنف إن أفطر ناسياً أو لعذر، أو لغلط في العدد. وقال الشافعية: لو أفسد يوماً ولو اليوم الأخير ولو بعذر كسفر ومرض وإرضاع ونسيان نيَّة، استأنف الشهرين، لكن لا يضر الفطر بحيض ونفاس وجنون وإغماء مستغرق؛ لأنَّ كلاً منها ينافي الصوم مع كونه اضطرارياً، وقال الحنابلة: لا ينقطع التتابع بالفطر لمرض أو حيض.
والإطعام عند عدم استطاعة الصَّوم: إطعام ستين مسكيناً، لكلِّ مسكين عند الجمهور مدُُّ من القمح بمد النبي صلّى الله عليه وسلم أو نصف صاع من تمر أوشعير، وعند الحنفية: مُدَّان، أو يغذيهم ويعشيهم غداء وعشاء مشبعين، أو غداءين أو عشاءين، أو عشاء وسحوراً. والمدَّان أو نصف الصَّاع: هما من بُر أو دقيقه أو سويقه، أو يعطي كل فقير صاع تمر أوصاع شعير أوزبيب أو يعطي عند الحنفية قيمة نصف الصَّاع من البُر، أو الصَّاع من غيره من غير المنصوص عليه، ولو في أوقات متفرقة، لحصول الواجب.
ولا يجوز للفقير صرف الكفَّارة إلى عياله، كالزَّكاة وسائر الكفارات، وأمّا خبر «أطعمه أهلك» فهو خصوصية، أو أن لغير المكفر الذي تطوَّع بالتكفير عن غيره صرف الكفَّارة للمكفَّر عنه تطوعاً.
والأصحُّ عند الشافعية أنَّ له العدول عن الصوم إلى الإطعام لغُلمة (أي شدة الحاجة للنكاح)؛ لأنَّ حرارة الصوم وشدَّة الغلمة قد يفضيان به إلى الوقاع، ولو في يوم واحد من الشهرين، وذلك يقتضي استئنافها لبطلان التتابع، وهو حرج شديد.
وتشترط النيَّة عند أداء الكفَّارة في رأي الشافعية، بأن ينوي العتق أو الصوم أو الإطعام عن الكفارة؛ لأنَّها حق مالي أو بدني يجب تطهيراً كالزَّكاة والصيام، فلا بدَّ لصحتها من النية.

تعدد الكفارة أو تداخلها بتعدد الإفطار في أيام

إن تكرَّر الجماع، أو الإفطار بأكل ونحوه في رأي الحنفية والمالكيَّة، قبل التكفير عن الأول، فإمّا أن يكون في يوم واحد، أو في يومين:
أـ فإن كان في يوم واحد، فكفَّارة واحدة تجزئه، بالاتفاق.
ب ـ وإن كان في يومين أو أكثر من رمضان: فعليه كفَّارتان أو أكثر، عند الجمهور؛ لأنَّ كل يوم عبادة منفردة، فإذا وجبت بإفساده، لم تتداخل، كرمضانين وكالحجتين.
وتجزئ كفارة واحدة عند الحنفية عن جماع وأكل متعمد متعدِّد في أيام لم يتخلَّله تكفير، ولو من رمضانين على الصحيح، فإن تخلَّل تكفير لا تكفي كفارة واحدة في ظاهر الرواية؛ لأنَّ الكفارة جزاء عن جناية تكرَّر سببها قبل استيفائها، والمقصود بها الزجر، فيجب أن تتداخل كالحد، ويحصل بها مقصودها، وفي حال تخلَّل التكفير لم يحصل الزجر بعودة لانتهاك حرمة الشهر.
ومن عجز عن الكفارة، استقرَّت في ذمَّته، والمعتبر حاله حين التكفير، فإن قدر على خصلة فعلها.

طروء العذر بعد الإفطار عمداً

إنّ حدوث السَّفر أو المرض بعد الجماع، أو الأكل المقاس عليه عند القائلين به، لا يسقط الكفارة عند الشافعية والمالكية والحنابلة؛ لأنَّ العذر معنى طرأ بعد وجوب الكفَّارة، فلم يسقطها، ولأنَّ السفر المنشأ في أثناء النهار لا يبيح الفطر عند غير الحنابلة، فلا يؤثِّر فيما وجب من الكفارة، ولأنَّ المرض، لا ينافي الصَّوم، فيتحقَّق هتك حرمته.
ورأى الحنفية، أنَّ الكفارة تسقط بعد الإفطار بطروء حيض أو نفاس أو مرض مبيح للفطر في يومه الذي أفسده؛ لأنَّ اليوم لا يتجزأ ثبوتاً وسقوطاً للكفارة، فتمكنت الشبهة في عدم استحقاقه من أوله بعروض العذر في آخره، ولا تسقط عمن سوفر به كرهاً أو سافر اختياراً، بعد لزومها في ظاهر الرواية، والفرق بين الحالين أنَّه في السَّفر المكره عليه لم يجئ العذر من قبل صاحب الحق، وفي غير السفر تمكَّنت الشبهة في عدم استحقاق الكفارة من أول اليوم بعروض العذر في آخره؛ لأنَّ الكفارَة إنَّما تجب في صوم مستحق، وهو لا يتجزأ ثبوتاً وسقوطاً.



شارك المقالة: