كيفية وحي الله إلى رسله

اقرأ في هذا المقال


كيف يوحي الله تعالى إلى رسله؟

يوحي الله إلى رسله يكون بوجود واسطة أو بدون فالأول: بواسطة مَلك الوحي سيدنا ( جبريل ) والثاني: هو الذي لا واسطة فيه، وهناك الكثير من الأمثلة كما يلي:

  • مثال الرؤيا الصالحة في حالة: ودليل ما جاء عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: “أول ما بُدِئَ به -صلى الله عليه وسلم- الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح”، وكان ذلك تهيئة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ينزل عليه الوحي يقظة وليس في القرآن شيء من هذا النوع لأنه نزل جميعه يقظة، خلافًا لمن ادَّعى نزول سورة “الكوثر” منامًا للحديث الوارد فيها.
    ففي صحيح مسلم عن أنس, رضي الله عنه: “بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم بين أظهرنا في المسجد إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسمًا فقلت: ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال: “نزلت عليَّ آنفًا سورة” ، فقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ, فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ, إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}، وجاء عن عمر بن الخطاب  رضي الله عنه أنه كان يقول :” كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي يُسمع عند وجهه دوي كدوي النحل”. أخرجه احمد في مسنده (1/34).
    وحالة الغفيان في هذه المرحلة التي كانت تصيبه عندما ينزل عليه الوحي. ومما يدل على أن رؤيا الأنبياء في حالة وحي يجب اتباعه ما جاء في قصة إبراهيم من رؤيا ذبحه لولده إسماعيل: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ, فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ, فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ, وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ, قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ, إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ, وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ, وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ, سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ, كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ, إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ, وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} ..
    ولو لم تكن هذه الرؤيا وحيًا يجب اتباعه لما أقدم إبراهيم عليه السلام على ذبح ولده لولا أن منَّ الله عليه بالفداء.

وحدوث رؤيا صالحة للشخص ليست مختصرة على الرسول، فهي باقية للمؤمنين، وإن لم تكن وحيًا، قال عليه الصلاة والسلام: “انقطع الوحي وبقيت المبشرات، رؤيا المؤمن” ، والرؤيا الصالحة في المنام للأنبياء هي القسم الأول من أقسام التكليم الإلهي المذكور في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} صدق الله العظيم.
ومنه الكلام الإلهي من وراء حجاب بدون واسطة يقظة، وهو ثابت لموسى عليه السلام {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ}، وكذلك قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} صدق الله العظيم. كما ثبت التكلم على الأصح لرسولنا -صلى الله عليه وسلم- ليلة الإسراء والمعراج.

كيفية وحي الملك إلى الرسول:

الوحي إلى أنبياء الله ورسله، حيث تكون الحيثية وتكون بدون واسطة، وهو ما ذكرناه آنفًا. وكان منه الرؤيا الطيبة، ةتكون في المنام والكلام الإلهي من وراء حجاب وتكون في اليقظة، وإما أن يكون بواسطة مَلَك الوحي وهو الذي يعنينا في هذا الموضوع لأن القرآن الكريم نزل به، ولا تخلو كيفية وحي المَلَكِ إلى الرسول من إحدى حالتين:

  • حالة شديدة على النبي صلى الله عليه وسلم، أن يأتيه مثل صلصلة الجرس، كما جاء في النص الصحيح ، والصوت القوي يثير عوامل الانتباه فتكون النفس متهيأة بكل قواها لقبول أثره، فإذا نزل الوحي بهذه الصورة على الرسول -صلى الله عليه وسلم- نزل عليه وهو مستجمع القوى الإدراكية لتلقيه وحفظه وفهمه، وقد يكون هذا الصوت حفيف أجنحة الملائكة المشار إليه في الحديث: “إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كالسلسلة على صفوان” وقد يكون صوت المَلَكِ نفسه في أول سماع الرسول له.
  • أن يرى المَلَكُ على صورة رجل ويأتيه في صورة إنسان، وهذه الحالة أخف من سابقتها، بوجود التوافق بين المتلقي والمتكلم، ويجد الرسول الأنس والنبوَّة عند سماعه من رسول الوحي، ويطمئن إليه اطمئنان الإنسان لأخيه الإنسان، والهيئة التي يظهر فيها جبريل بصورة رجل لا يتحتم فيها أن يتجرد من روحانيته، ولا يعني أن ذاته انقلبت رجلًا، بل المراد أنه يظهر بتلك الصورة البشرية أُنْسًا للرسول البشري.
    ولا شك أن الحالة الأولى -حالة الصلصلة- لا يوجد فيها هذا الإيناس، وهي تحتاج إلى سمو روحي من رسول الله يتناسب مع روحانية المَلَكِ فكانت أشد الحالتين عليه، لأنها كما قال ابن خلدون: “انسلاخ من البشرية الجسمانية واتصال بالمَلَكِيَّةِ الروحانية، والحالة الأخرى عكسها لأنها انتقال المَلَكِ من الروحانية المحضة إلى البشرية الجسمانية”.

وهذه الحالات لها أدلة من النصوص، ما رُوِيَ عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : “يا رسول الله.. كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: “أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشد عليَّ، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانًا يتمثل لي المَلَكُ رجلًا فيكلمني فأعي ما يقول” .

وروت عائشة رضي الله عنها ما كان يصيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من شدة فقالت: “ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقًا”.

وهذه الحالتين تم الإشارة إليها في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ

إِلَّا وَحْيًا.

أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ.

أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}، جاء في سبب النزول أن اليهود قالوا للنبي – صلى الله عليه وسلم – : ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى ونظر إليه ، فإنا لن نؤمن لك حتى تفعل ذلك . فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : إن موسى لن ينظر إليه فنزل قوله :﴿۞ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن یُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡیًا أَوۡ مِن وَرَاۤىِٕ حِجَابٍ أَوۡ یُرۡسِلَ رَسُولࣰا فَیُوحِیَ بِإِذۡنِهِۦ مَا یَشَاۤءُۚ إِنَّهُۥ عَلِیٌّ حَكِیمࣱ﴾، ذكره النقاش والواحدي والثعلبي.

وأما النفث في الرُّوع -أي القلب- فقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : “إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب” .


شارك المقالة: