ما هو حكم البيع في المسجد؟

اقرأ في هذا المقال


حكم البيع في المسجد:

إنّ المساجد ليست مكاناً للمداولة البضائع وليست مكاناً للتسوق ولا مكاناً للبيع، بل ينبغي تنزيهُ المسجد عن الكلام في غير ما بُني له من الصلاة وذكر الله وغير ذلك. فقال بعض جمهور العلماء بأنّه يكره البيع في المساجد، وقال البعضُ الآخر بتحريمه. فقد قال عطاءُ بن يسار: كان إذا مرّ عليه بعضُ من يبيع في المسجد دعاهُ ويسألهُ ما معك وماذا تريد؟ فإذا أخبرهُ أنّهُ يريد أن يبيعهُ، قال: عليك بسوق الدنيا، فهذا المكان هو سوق الآخرة.

وبذلك أيضاً أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنهُ بنى رحبة من جهة المسجد سميت بالبطحاءِ، وقال: من كان يُريد أن يلغطُ أو يُنشد شعراً أو أن يرفعُ صوتاً، فعليه بالخروج إلى تلك الرحبة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا رأيتم من يَبيع أو يُبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك”. رواه الترمذي.

إنّ دلالة هذا الحديث على أن المساجد بُنيت لذكر الله تعالى، وإقامة الصلاة فيها وفيها تكون الموعظةُ ونشرُ العلمِ، ولا يصحُ أن تكون مقصداً لبعض المصالح الشخصية والدّنيويةِ. فيقول النبي عليه الصلاة والسلام هنا: إذا رأيتم أي شاهدتم وعاينتم من يبيع أو يُبتاع سلعة، يعني أن من يشتري ويبيع في المسجد فقاولوا له: “لا أربحَ الله تجارتك” فالمقصود بهذا الدعاء أنّه دعا على تجارتهِ بأن تكسد وأن تخسر وعدم الربح؛ وذلك لأنّ البيع والشراء مكانه في الأسواق، ليس عند بيوت الله تعالى.

ثم قال عليه الصلاة والسلام أيضاً: إذا رأيتم أو بمعنى شاهدتم من ينشدُ فيه، يعني أنّه يرفعُ صوته في المسجد، ويطلبُ ضالةً، يعني الشيءُ الضائع، سواء كان حيوان أو ما شابه ذلك، فقولوا له: “لا ردّ الله عليك” والمقصود هنا بهذا الدعاء هو بأن لا يجد ضالته، أو ما ضاع منه؛ وذلك زجراً منه على سوءِ فعله وتشويشه على المُصلين والذاكرين الله في المسجد، أو لكل من كان يُعطي درساً دينيّاً في المسجد. وفي الحديث الشريف أيضاً بيانُ حرمة المساجد، وأنّهُ ينبغي ألّا يكون فيها شيءٌ غيرُ العبادة والصلاة وغير ذلك.

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدهِ قال: “نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الشراء والبيع في المساجد وأن تُنشد فيه الأسعار” رواه الترمذي. وقال الإمام الشوكاني: إنّ البيعُ والشراء في المسجد فهو مُحملٌ على الكراهةِ. وقال العراقي: أنّه أجمع العلماء على أنّ ما انعقد من البيع في المسجد لا يحقُ أن يُنقذه، وبذلك قال الماوردي أيضاً: بأنّ حملُ النهي على الكراهةِ يحتاجُ إلى قرينةٍ صارفة عن المعنى الحقيقي الذي هو التحريم عند الذين قالوا: بأنّ النهي هو حقيقة في التحريم وهو الحق.

أمّا إجماع بعض العلماء على عدم إيجاز النقض وصحة العقدِ لا نفيَ بينهُ وبين التحريم، ولا يجوز أن نجعلهُ مقارنة من أجل حمل النهي على الكراهة. فقد قال أصحاب الشافعي إلى أنّهُ ليس من المكروه البيع والشراء في المسجد والأحاديثُ ترد عليه، وقد فرق أصحاب أبي حنيفة بين أن يغلب ذلك ويكثر، فيُكره أو يقلُ، فلا كراهة وهو فرقٌ لا دليل عليه.

أمّا الإمام الماوردي فقد قال: أنّه لا يصحُ البيع والشراء للمُعتكف في المسجد وغير ذلك على الصحيح من المذهب، وقد نص عليه في رواية حنبل. أما إن كان البيع والشراء خارج المسجد عند الباب فلا حرجَ في ذلك الأمر، ولا حرج كذلك في الكلام مع الإمام أو المؤذن في هذه الأمور خارج المسجد. ولا مُنافاة بين ذلك وبين مؤاخاتك لهما في الله، ولا حرج في أن تُعطيهم أرقام الاتصال وتعرض عليهم خدماتك في خارج المسجد، أمّا داخل المسجد فلا يُشرع ذلك؛ لأنّه يُعتبر من الترويج للأمور الدنيوية.

لقد سئل البعض عن حكم أن تُوضع بعض الإعلانات في المسجد، مثل إعلان عن حملات الحج والعمرة، فأجاب بعضهم أنّه إذا كان هذا الإعلان يشمل طاعة الله، فلا حرج فيه؛ لأنّ الطاعة هي من الأمور التي تُقربُ العبدُ من ربه، والمساجدُ وُجدت لطاعة الله سبحانه وتعالى، وأمّا ما كان يخصُ أمور الدنيا فلا يجوزُ ولا يصح، ولكن يُعلن في الخارج على جدار المسجد، فإعلاناتُ الحج أيضاً لا بأس بأن نضعها خارج المسجد لأنّه إعلان دنيوي، فلا نرى أن نعلن عنها في داخل المسجد.


شارك المقالة: