حكم الصلاة في الكنيسة:
الكنائس: لا نقول عن الكنائس أنّها بيوت لله والمسلمين؛ بل هي مكان يتعبدون فيه أصحاب الدين المسيحي، ولا يُصلّي فيها المسلم إلّا إذا انقطعت المساجد.
قد يضطر البعض من المسلمين إلى الصلاة في الكنيسة حينما لا يوجد مكانٌ يُقيمون الجماعة أو الجمعة فيه سوى الكنيسة، أو معبد اليهود، أو مكان الصلاة لديانات مختلفة ومتعددة وغير ذلك، فما حكم الصلاة فيها. وقد اختلف أهل العلم في حكم الصلاة في الكنيسة على الكراهة أو التحريم.
أمّا المعروف في مذهب الحنابلة، هو أنّه يجوز أن يصلي المسلم في الكنيسة أو في معابد الكفار على الإطلاق.
أمّا رأي ابن قدامة فقال: أنّه لا حرج في الصلاة بالكنيسة التي لا تماثيل ولا صور فيها ،فقد سمحَ بهذا الحسن وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي وغيرهم، وأنّ بعضهم كره الصلاة بالكنيسة مثل ابن عباس ومالك الكنائس من أجل الصور، ولنا أنّ النبي صلى الله عليه و سلم صلّى في الكعبة وفيها صور ثم هي داخلة في قوله عليه السلام: فأينما أدركتك الصلاة فصل فإنّه مسجد.
أمّا رأي الإمام أحمد فقال: يجوز أن يُصلى بالكنيسة ما لم يوجد فيها أي صورٍ أو تماثيل أيضاً. فقال ابن تيمية، وهو الصحيح المأثور عن عمر بن الخطاب وغيره، وهذا منصوص عن أحمد وغيره، فإنّه إن كان فيها صور موجودة فلا يُصلّى فيها؛ وذلك لأنّ الملائكة لا تدخلُ بيوتاً يوجد فيها صور؛ ولأنّ النبي عليه الصلاة والسلام لم يدخل الكعبة حتى زال ما فيها من الصور، وقال بذلك أيضاً عمر، فقال: إنّا كنّا لا ندخلُ كنائسهم وفيها صور.
أمّا الأرجحُ من هذه الأقوال وهو، أنّ المسلم لا يجوز أن يُصلّي بالكنيسةِ بدون حاجة، وفي ذلك هو دفعٌ للتهمةِ عن النفس وابتعادٌ عن مواقع عبادات الكفار. وإن اضطر المسلم لأن يصلي في الكنيسة أو المعبد، كأن لا يوجد مكان لأن يُقيم صلاة الجمعة أو الجماعة، فله فعل ذلك. ولهُ سلفٌ بخيار الأمة، فقد صلّى أبو موسى رضي الله عنه بكنيسةٍ بدمشق، وثبت مثل ذلك عن غيره من الصحابة إلّا أنّ عليه التنبيه لعددٍ من الأمور.
هل يوجد فرق بين الكنائس والمصليات:
لقد أكّدت أهمية بث روح التسامح بين المسلمين وغير المسلمين حيث قال الله تعالى: “قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون” البقرة الآية 136.
وقال تعالى أيضاً: “يا أيّها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير” الحجرات:13.
قال تعالى: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إنّ الله يحب المقسطين”الممتحنة:8.
وقال عليه الصلاةُ والسلام: “جعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا فأينما أدركتك الصلاة فصلِ” والدليلُ على هذا الحديث بأنّه يجوز للمسلم أن يصلي في أي مكان سواء كان معبداً يهوديا أو كنيسة مسيحية، طالما أنّ المسلم تيقن من طهارة المكان؛ وذلك لأنّ من شرط الصلاة أن يكون المكان طاهراً كما ذكر الفقهاء.
بعض التنبيهات لأجل الصلاة في الكنيسة:
أولاً: إزالة الصور من الكنيسة أو تغطيتها قد المستطاع عند القدوم إليها والصلاة فيها، كما قال عمر رضي الله عنه: “إنّا لا ندخلُ كنائسهم، يعني من أجل الصور الموجودة فيها، وكان ابن عباس يُصلّي في البيعة إلّا بيعةً فيها تماثيل” رواه البخاري. أيضاً وإن لم يستطيعوا إزالتهُ أو تغطيتهُ، فلا خلاف عليه ولا حرج في ذلك.
ثانياً: أن لا يستقبلوا في صلاتهم أي تمثالٍ أو صورةٍ، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان قرام أي “ستر رقيق من صوف ذو ألوانٍ” لعائشة رضي الله عنها سترت به جانب بيتها، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أميطي عني قِرامك فإنّه لا تزال تصاويره تعرض لي صلاتي” رواه البخاري.
ثالثاً: أن يختصرُ صلاة المسلم في الكنيسة على ما يشقُّ عليهم فعلهُ في المسجدِ أو أيِّ مكانِ آخر.
فقد قال الترمذي وأبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى اللَّه عليه وسلم: ” أَتَانِي جِبرِيل فَقال إنّي كُنت أَتيتُك البارِحة فلم يمنعني أَن أَكون دَخَلت عَلَيكَ البيتَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي بَابِ البَيتِ تِمثَال الرجال وكان فِي البيت قِرَامُ ستر فِيهِ تَمَاثِيلُ وَكَانَ فِي البيت كلب فمر بِرَأسِ التِّمثَال الذي بِالبابِ فَليقطَع فَليصَير كهَيئَةِ الشَّجرةِ ومر بالسّترِ فَليقطع وَيُجعل منه وِسادتين منتَبَذَتَين وطَآَن ومر بِالْكَلْبِ فَيُخرَج ففعل رسول اللَّه صلَّى اللَّه علَيه وَسَلَّمَ وَكَانَ ذلِك الكَلب جَروًا لِلحسَنِ أَو الحُسَينِ تحت نضد له فأمر به فأخرِج” والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع.