ما هو حكم القصر في السفر؟

اقرأ في هذا المقال


حكم القصر في السفر:

صلاةَ القصر: وهي أن يُصلّي العبدُ المُسلم الصلاةَ الرباعية، وتعني الصلاة التي يكون عدد ركعاتها الفرض أربع ركعات، أي أنهُ لا يجوز القصر في صلاة المغرب؛ وذلك لأنّ عدد ركعات المغرب ثلاثُ ركعات، كما وأنّ صلاة الفجر أيضاً لا يجوز القصر فيها؛ لأنّ عدد ركعاتها الفرض فيها ركعتان، وقصر الصلاة هي هدية ورخصة من الله لعبادهِ المتقين.

لقد ذهب جمهور أهل العلم إلى استحباب القصر في السفر للأدلة التالية:

  • قال تعالى: “وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا” النساء:101. إنّ وجه دلالة الآية الكريمةِ هو أن المراد يبنفي الجناح في الآية هو إسقاط الإثم عمن قصر الصلاة، وليس المقصود به هو إيقاع الإثم على من لم يقصرها، والفرق بينهما ظاهر؛ لأن المعنى الأول هو جزء من حد المباح. أما المعنى الثاني فهو جزء من حد الواجب، فلا يصحُ حمل الآيةِ على الوجوب لما بينهما من الاختلاف، ثم إنهُ يُلزم من حملها على الوجوب تغيير معناها إذ لا يستقيم هذا إلا إذا كانت بمعنى: عليكم الجناح إن لم تقصروا من الصلاة، وهذا يأباهُ سياق الآية. وقد وردَ نفي الجُناح في كتاب الله في خمس وعشرين آية، وهي محمولة على الإجابة، كقول الله تعالى: “ليس عليكم عليكُم جُناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكُم” فلم يختلف أهل العلم فيما أعلم في آية واحدة مع هذه الآيةِ وهي قول الله تعالى: “إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا” البقرة:158. لقد قال بعضهم: إنّ هذه الآية يُراد بها الوجوب؛ لأن السعي من أركان الحج أو واجباته، وأرى أن وجوبهُ ليس من دلالة الآية بل من قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “اسعوا فإن الله كتبَ عليكم السعي” رواه أحمد في مسنده. ولفعل رسول الله عليه الصلاة والسلام وقوله: “خذوا عني مناسككم” رواه مسلم في صحيحه. أما الآية فلم تدل إلا على نفي  الإثم عمن سعى، وهذا لا يُفيد الوجوب.
  • روى يعلى بن أمية رضي الله عنه أنه قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: “فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا” النساء:101.فقد أمن الناس فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، عن ذلك فقال: “صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقتهُ” رواه مسلم.

وجه دلالة الحديث:

ذهب جمهور العلم إلى أن هذا الحديث يدلُ على استحباب القصر في السفر؛ لأن معنى قوله، صلى الله عليه وسلم: “صدقةً تُصدق الله بها عليكم” أي تفضل عليكم بالتخفيف من عدد ركعات الصلاة بعد أن كان محظوراً تخفيفها على من كان مسافراً آمناً، لأن من المُقرر عدم وجوب قبول الصدقات، بل الواجب قبول العزمات، فلو كان القصر واجباً لقيل عزمهُ من عزمات ربنا. أو نحو ذلك مما يدل على وجوب القبول. وخالف في هذا بعض أهل فقالوا: إن قوله عليه الصلاة والسلام: “فاقبلوا صدقته” أمر يدل على إيجاب القصر؛ لأن من لم يقصر فليس بقابل للصدقة، فهو عاص. قال الشوكاني رحمه الله، فالظاهر من قوله: صدقة؛ أن القصر رخصة فقط، وأجيب بأن الأمر بقبولها يدل على أنهُ لا محيص عنها؛ أن القصر رخصة فقط، وأجيب بأن الأمر بقبولها يدلُ على أنه لا محيص عنها، ونرى أن هذا الأمر غير صحيح لعدة أمور وهي كما يلي:- إنّ الأمر خطاب لمن استشكل فعل القصر من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال الأمن لمخالفتة مفهوم الشرط الثاني من الآية، وليس هو خطاباً لمن كان لا يفعله ابتداءً، فهو إذا يتعلق بالرضا والقبول والطمأنينة النفسية، وليس أمراً بمباشرة فعله؛ لأن عمر رضي الله عنه كان ممن  يفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه أشكل عليه قبوله؛ ولأن معنى القبول في اللغة، هو الرضا بالشيء كما في اللسان. إنّ هذا الأمر خرج مخرج التأكيد لا التأسيس، وذلك أن صدر الحديث يدل على إباحة القصر في حال الأمن بعدما كان محظوراً؛ لأن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: “صدقة تصدق الله بها عليكم” أي تفضل بإحاته ما كان ممنوعاً قبل ذلك، كما في التصرف في أموال الآخرين، فإنه يُحرم قبل إباحتها بذلك، ثم جاء الأمر في عجز الحديث بقبول هذه الصدقةِ، فيجب حملهُ على أنه لتأكيد دلالة صدره لا لمعارضتها، إذ يلزم من حمله على الوجوب، ورود حُكمين مختلفين في مسألة واحدة، وفي حديثٍ واحد: أحدهما يدلُ على استحباب القصر والثاني يدل على وجوبهِ، وهذا مصون عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فيه من الخلل والاضطراب.

– دلّ منطوق الآية على إباحة القصر في حال الخوف، ودلّ مفهومها على منعهِ في حال الأمن، فجاءت السنة فبينت أن دلالة المفهوم غير مُراده مع عدم معارضتها للدلالة المنطوق. فصار في القِصر في حال الأمن دليلانِ متعارضانِ أحدهما منطوق السنة والثاني مفهوم القرآن، أما القِصر في حال الخوف فدلّ عليه منطوق القرآن بلا مُعارض.

  • إن ما رواه عن أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه أنّ النبي عليه الصلاة والسلام قال: “إنّ الله وضع عن المُسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل والمُرضع الصوم” قال هذا الترمذي بحديث حسن. وجه دلالة الحديث: أن وضع شطرُ الصلاة كوضعِ الصيام، وذلك لدخولهما تحت دلالة لفظٍ واحد، ومن المقرر لدى جمهور أهل العلم جواز الصيام في السفر لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إتمام الصلاة لا يجوز؛ لأن مقتضى الوضع في الحديث التخفيف لا الحتم.
  • إنّ ما ثبت من إتمام عائشة وعثمان رضي الله عنه وغيرهما من الصحابة، مع أن عائشة رضي الله عنها ممن روى عنها قولها، فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر. رواه مسلم. إنّ إتمامها يُبين أن المُراد من قولها: “فأقرت صلاة السفر” أي باعتبار ما آل إليه الأمر من التخفيف لا أنها استمرت منذ فرضت على ركعتي؛ لأنه يلزم من هذا أن القصر عزيمة وهو خلاف فهمها وفعلها، كما أشار إليه ابن حجر. ثم إن دلالة ما قيل في الآية والحديث توجب تأويلها قولها، كما أوجبة دلالة فعلها. أما ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه، أنه قال: “فرض الله الصلاة على لسان نبيكم عليه الصلاة والسلام في الحضر أربعاً في السفر ركعتين وفي الخوف ركعةً” رواه مسلم. فمعنى ذلك أنّ الله فرض أقل أعداد هذه الصلوات، إذا لا يجوز أنّ تُصلى هذه الصلوات بأقلّ من هذه الأعداد، أما الزيادة عليها فلكلِ صلاةٍ حُكمها، إذا لا تجوز الزيادة على صلاة الحضر لقيام الأدلة على حصرها بهذا العدد، أما صلاتا السفر والخوف فيجوز الزيادة لقيام الدليل من الكتاب والسنة على جواز الزيادة، وبهذا  التوفيق ينسجم كلام ابن عباس مع بقية الأدلة.

شارك المقالة: